أنت هنا

قراءة كتاب الصورة والآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصورة والآخر

الصورة والآخر

كتاب "الصورة والآخر"، صارت موضوعة الجسد هوْسا أدبيا يتردد هنا هناك ويتحول في غالب الأحيان إلى موضوعة أدبية محضة؛ والحال أن التطرق لموضوعات من قبيل الجسد والصورة والمتخيل تتطلب في حدود دنيا تقاطعا معرفيا بين مجموعة من العلوم والمعارف لعل أقلها الفلسفة والتحل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
لقد عرف المجتمع الجاهلي شتى أنواع العلاقة المؤسسية بين الرجل والمرأة في إطار مشروع هو النكاح. غير أن هذه العلاقة الشرعية لم تقف أبدا حائلا بينهما في ممارسة "مشروعة" للاتصال الجنسي والجسدي خارج مؤسسة الزواج الشرعية. لقد كانت المرأة تلجأ إلى اتخاذ خدْن في ممارسة علاقة نكاح سرية مطبوعة بالدوام (نكاح الخِدْن). وكانت تستقبل في خبائها رجالا آخرين، فتمارس معهم الجنس برضاها، وإذا ما حملت من أحدهم تقوم بتعيينه وتلحق به المولود. كما أن الزوج قد يختار أحد الفحول فيرسل له زوجته كي ينكحها طمعا في ذرّية شريفة يفتخر بها. كما كان الرجلان من عرب الجاهلية يتفقان على تبادل زوجتيهما نكاحا (نكاح البدَل). ولتفادي صعوبات المهر يزوج الجاهلي ابنته لآخر على أن يزوجه بدوره ابنته (نكاح الشغار). كما يُذكر أن الرجل منهم قد يتزوج ابنته ومنهم زرارة ابن تميم الذي تزوج ابنته وخلف منها الأولاد. وفي حالات أخرى، كانوا لا يتورعون في الجمع بين الأختين، ويتزوج الواحد منهم زوجة أبيه بعد وفاته(2).
 
إضافة إلى ذلك، عرف المحيط الثقافي والاجتماعي العربي منذ ما قبل الإسلام مختلف أنواع الكيانات والممارسات الهامشية التي أشرنا إليها من غير أن يجعل منها كيانات وسطية بين الذكر والأنثى، أو أن يمنحها تبريرا نظريا قابلا لاحتوائها فكريا. فقد كان التخنث واردا في الجاهلية واتهم به أبو جهل. كما أن السحاق انتشر بين العرب خاصة في الحيرة على عهد المناذرة. وكانت هند بنت النعمان أول امرأة ذكر العرب هواها لزرقاء اليمامة(3).
 
هذه الظواهر اعتبرت في عصر الإسلام مجرد ظواهر غير طبيعية تشذ عن الفطرة ولا تدخل بأي حال في علاقة النكاح باعتبارها علاقة خصوبة واستمرار للنسل. وقد يقوم المرء بمسح لمختلف المصادر الفقهية التي تتناول مختلف أوجه الحياة الاجتماعية من غير أن يجد إلا بعض الأحاديث التي ترمي بالمخنثين خارج المجتمع الإسلامي. فلقد نهى الإسلام عن حديث المخنث ومحادثة المخنث وعن صحبة المخنث وعن إجابة دعوة المخنث، بل لقد جاء في الحديث "لعن الله المخنث" كما رواه البخاري. وبهذا الصدد جاء في المنهيات للترمذي، تعبيرا عن الرفض القاطع لكل خلخلة لثنائية الذكورة والأنوثة:
 
"فالمخنث خلق هائل شأنه، فظيع أمره، فظاهره رجل وباطنه امرأة، فالذي في باطنه حوَّل أحوال الظاهر حتى مدَّه إلى أحوال النساء قولا ومشيا وعملا ولباسا وزيا وهيئة، فقد حلت به اللعنة لأنه مُسخ فنفسُه نفوس النساء وخلقته خلقة الرجال، فلذلك لا يكاد تجد منهم تائبا لأن نفسه الممسوخة قد عبرت قلبه وطبعه إلى أخلاق النساء وكلهن للرجال، وهذا آية من آيات الله عز وجل يعتبر بها المسلمون وليستعيذوا بالله من شرها. فكأنه جعل هذا موعظة للخلق ليشكروه على لباس العافية. وقد كان على عهد رسول الله (ص) عِدة فنفاهم إلى البقيع. فلما كان زمن عمر رضي الله عنه استأذن بعضهم في الدخول إلى المدينة ليسأل الناس فأذن لهم في الجمعة مرة(4)". بيد أن الفقهاء المتأخرين، قد تعمقوا في الأمر فميزوا بين الخنثى الذي تظهر عليه بعض علامات الرجال من نبات لحية أو قدرة على الجماع أو احتلام، أو كان له ثدي مستوٍ، فيكون حكمه حكم الرجال، والخنثى الذي تظهر عليه علامات النساء من حيض وحبل وانكسار ثدي، الخ ويكون حكمه حكم المرأة. أما إن لم تظهر علامات الذكورة أو علامات الأنوثة، أو تعارضت هذه المعالم في الشخص نفسه، فهو مشْكِلٌ لعدم إمكان ترجيح الأنوثة أو الذكورة. وإذا ثبت الإشكال أخذ في الخنثى المشكل بالأحوط فيما يتعلق بالنظر، فيعتبر مع النساء رجلا ومع الرجال امرأة. وتغليبا لجانب الحظْر كما يقول الحنابلة، يكون النظر إليه كالمرأة(5).

الصفحات