كتاب "الصورة والآخر"، صارت موضوعة الجسد هوْسا أدبيا يتردد هنا هناك ويتحول في غالب الأحيان إلى موضوعة أدبية محضة؛ والحال أن التطرق لموضوعات من قبيل الجسد والصورة والمتخيل تتطلب في حدود دنيا تقاطعا معرفيا بين مجموعة من العلوم والمعارف لعل أقلها الفلسفة والتحل
أنت هنا
قراءة كتاب الصورة والآخر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
يمكّن المحدد الفضائي من التعرف على موقع المرأة الوجودي والاجتماعي، بالشكل نفسه الذي يشير إلى القيم الاجتماعية المتداولة في الفضاءين. فإذا كان محيط المرأة عائلي فإن محيط الرجل اجتماعي عام. وبالرغم من أن الكثير من النساء في الإسلام عُرفن بكونهن شخصيات عمومية بلغتنا المعاصرة، لهن مواقع اجتماعية وسياسية ودينية وتصوفية تجعل من علاقاتهن بالآخرين علاقات متساوية، فإن هذه المخالطة كانت مشروطة ومقننة. وربما كانت الشواعر والمغنيات والقيان يشكلن نواة المرأة العربية المعاصرة أو على الأقل سليلاتها في التحرر والمشاركة في العملية الاجتماعية والثقافية. ولكي يكون هذا الاستنتاج وجيها علينا طبعا التشكيك في مبدأ التراتبية الاجتماعية التي أقامها المجتمع العربي بين الأحرار والموالي والقيان. فقد كان هؤلاء الأخيرون، كما هو معروف، يتمتعون بحقوق مدنية تتجاوز في الكثير من الأحيان الحقوق التي لمالكيهم أو حماتهم، باعتبار أن "دونيتهم" الاجتماعية تلك كانت مصدرا لحرية حركتهم داخل الحياة الاجتماعية.
هذا الترابط هو ما يؤدي إلى أولوية الوظيفة الاجتماعية للمرأة على كيانها الشخصي. فالمرأة المثلى في الإسلام هي الولود، أي تلك القادرة على تأدية وظيفتها الاجتماعية المتمثلة في التكاثر. وحين سئل الرسول عن قيمتي الجمال والتناسل فضل بشكل واضح القيمة الثانية على الأولى(15). إن كيان المرأة الجسدي بهذا المعنى يغدو عرضيا إذا ما هو قورن بقيمتي الخصوبة والعقل، لذا فإن المرأة العاقر وإن كانت جميلة تشَبَّه بالأرض الجذباء أو الشجرة الجميلة غير المثمرة.
تتحكم هذه الغائية في تنظيم المؤسسة الأسروية والاجتماعية إلى درجة يغدو معها كيان المرأة باعتبارها أنثى محصورا في مدى قدرتها على تحقيق استمرارية الوجود للآخر. وبالرغم من أن الإسلام حرّم وأد الفتيات كما مورس ذلك في الجاهلية، وحث على تربية البنات والاعتناء بهن، فإن المتخيل الأسروي العربي الإسلامي ظل يمنح دائما قيمة للمولود الذكر على الأنثى، خاصة وأن نظام الإرث في الإسلام يقوم كما هو معروف على أولوية الذكر على الأنثى (للذكر حظ الأنثيين)، مما يجعل من الذكر ضامنا لاستمرار القيم الاجتماعية المادية منها والمعنوية.
من ناحية أخرى يمكن القول بأن تحديد هذه الوظيفة الاجتماعية يجد أصله في التراتبية الأصلية التي للذكر على الأنثى وللزوج على الزوجة. ويسوق البيهقي حديثا يكاد يجعل الرجل معبود زوجته، ويحول التعبير المجازي "رب البيت" للتعبير عن الرجل إلى قيمة حقيقية: "قد مضى في كتاب السنن حديث أبي هريرة وغيره أن النبي (ص) قال: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لما عظّم الله من حقه عليها"". كما يسوق أحاديث أخرى يعتبر أحدهما أن الرجل جنة المرأة ونارها، وأنها إن هي أعرضت عنه فبات غضبانا لعنتها الملائكة حتى تصبح(16).