هذه المقدمة إلى علم الدلالة الألسني لا تتوجه إلى الطلاب من دارسي الألسنية أو فقه اللغة فحسب، إنما تعني المهتمين بالعلوم الإنسانية كلهم.
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمة إلى علم الدلالة الألسني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
في اللغة المصطنعة نقوم بصياغة "قاعدة التكون" القائمة على معنى ثابت لتركيب syntaxe اللغة المعنية، فنلاحظ توازناً شكلياً بين اهتمامات المناطقة والألسنيين مثل نوام تشومسكي.
كانت أعمال رسل RUSSEL و WHITEHEAD (راجع الكتاب الجماعي الشهير الذي نشر عام 1910 principa mathématica ) تشكل أساساً لكتاب ر. كارناب خلال الثلاثينات (النحو المنطقي للغة، 1934) الذي يقول فيه بأن التركيب المنطقي، كنظرية الأشكال اللغوية (أي التعابير اللغوية)، هي نظرية لا تهتم بهذا التعبير المصطنع أو ذاك، إنما فقط بطبيعة وتنضد الرموز المستخدمة لبناء هذه التعابير. والنحو المنطقي بمفهومه هذا يعالج الألسن بوصفها حسابات نوعية، ويقدم التعليمات اللازمة من أجل بنائها.
في المراحل الأولى من تطور علم التراكيب المنطقي (خصوصاً في حلقة "فيينا" شليك SCHLICK، نوراث NEURATH كارناب CARNAP ) اعتُبر من الضروري أن نجمع الإشكالية المنطقية فيه، أي في علم التراكيب، واستبعاد ما هو عاجز عن الدخول فيه لأنه كان يعدُ قضية فلسفية خاطئة. ومع ذلك فقد مهدت مرحلة "النشوة التركيبية هذه" لسقوطها في بداية الأربعينات، وذلك بتأثير عاملين اثنين:
1- لوحظ أن اللجوء إلى الصياغة بعبارات تركيبية لم يكن ملائماً لسلسلة من المفاهيم الضرورية في علم المنطق.
2- بين تارسكي TARSKI أنه بوسعنا استخدام مفهوم "الحقيقة" دون الوقوع في التناقض.
لقد وسع كارناب أبحاثه في علم المنطق الرمزي لتشمل قضايا ذات مكونة دلالية خصوصاً في اثنين من مؤلفاته هما:
INTRODUCTION TO SÉMANTICS (1942)
MEANING AND NECESSITY (1956)
من المهام الأولى التي يضطلع بها علم الدلالة (أولاً بالمعنى المنطقي حصراً): دراسة العلاقات القائمة بين التعابير الصحيحة تركيبياً وبين مدلولاتها (يمكن أن تكون المدلولات مواضيع محددة في الزمان وفي المكان أو أحداث أو وقائع أو مفاهيم ترتبط بها) بمعنى آخر، يتيح لنا إدخال المكونة الدلالية إمكانية تطبيق الحساب CALCUL الذي كان يستند بالأساس إلى علم التراكيب، على ميدان محدد بشكل جيد من الأشياء أو المفاهيم.
في هذا الخصوص، علينا أن نلاحظ بأن التعابير المحددة عن طريق الحساب الدلالي يجب أن تكون مبنية وفق قاعدة دقيقة تمنع الغموض. يبين مثال الحساب في منطق المحمولات PRÉDICATS أن التعابير النحوية الصحيحة لهذه اللغات يمكن أن تحتمل أكثر من تفسير دلالي مختلف تبعاً لمجال تطبيقها ( بُنَى حسابية، بيولوجية، لغوية...) وبناء على هذا، فإن فرضية (ليبنتز) القائلة بوجود لغة علمية شاملة لا تفقد من قيمتها أي شيء.
يمكن تلخيص ما هو مشترك بين علم الدلالة المنطقي وعلم الدلالة الألسني وما يفرقه عنه بالشكل التالي:
1- يقوم علم الدلالة المنطقي (أو علم الدلالة البحت) بدراسة عمليات الضبط régulations اللازمة لتفسير مضمون لغة شكلية ما ( كالحساب): (وكل ما يمس تصورنا لبعض المعطيات الخارجية و بقضية حقيقة الملفوظٍ) مثل: الترادف أو علاقة المعنى بآخر يوجد بين التعابير). وبناء على هذا فإن علم الدلالة المنطقي هو النموذج paradigme الشكلي لأيّ علم دلالة محدد مثل: (لغة الإعلام، لغة إشارات الطرق الضوئية، واللغة الحركية، والألسن الطبيعية).
2- علم الدلالة الألسني هو علم تجريبي يدرس مضمون العلامات وتراكيب العلامات الممكنة أو التي تظهر فعلياً في الألسن الطبيعية.
على أية حال ، إن القضايا التي يعرضها علم الدلالة الألسني تبدو من وجهة نظر ميدان تطبيقها، بالغة التعقيد قياساً بالبساطة النسبية التي تتمتع بها النظم الدلالية للغات المصطنعة (سنبرهن على ذلك في فصل لاحق من هذا الكتاب) .لكن أبحاث السنوات الخمس الأخيرة في علم الدلالة الألسني تبين – نظراً للتعقيد الدلالي الذي تتميز به الألسن الطبيعية – أنه قد تمَّ التوصل إلى نتائج, كما تؤكد هذه الأبحاث على أن المتطلبات الشكلية تتمحور حول نموذج علم الدلالة المنطقي.
*****