أنت هنا

قراءة كتاب مقدمة إلى علم الدلالة الألسني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مقدمة إلى علم الدلالة الألسني

مقدمة إلى علم الدلالة الألسني

هذه المقدمة إلى علم الدلالة الألسني لا تتوجه إلى الطلاب من دارسي الألسنية أو فقه اللغة فحسب، إنما تعني المهتمين بالعلوم الإنسانية كلهم.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1
إيضاحات
 
ليس في نيتي إثقال هذا الكتاب بمقدمة أخرى، ولا سيما وأن اثنتين منهما تزينان صدره. إنما هناك بعض التوضيحات السريعة التي أرى ضرورياً وضعها بين يديّ للقارئ العربي أوجز فيها بعضاً من مضمون الكتاب ، وأتحدث قليلاً عن ترجمتي له، مع قناعتي المطلقة بأن المترجم شأنه شأن مصنفي المعاجم جلّ ثوابه أن ينجو من اللوم..
 
أشار التقديم الفرنسي إلى أن مصطلح " علم الدلالة" sémantiqueيعود إلى ميشيل بريال (1832-1915) الذي قصد به دراسة معاني الكلمات تأسيسا لمشروعه العلمي على دراسة التاريخ وعلم النفس بهدف التخلص من الدراسات الشائعة في عصره، والتي كان جُلَّ اهتمامها ينصب على رؤى متعددة حول حياة الكلمات و"موتها"، وهو ميدان لم يكن خوضه بالأمر الهيّن.
 
فقد مَنَعَ بلومفيلد الأمريكي الألسنية من دراسة المعاني لاعتقاده بانتماء هذا النوع من الدراسات إلى علم النفس العصبي، أو من شأن العلوم والتقنيات. وكان السلوكيون- وبلومفيلد شيخهم- لا يرهقون أنفسهم في تفسير معنى "وردة" مثلاً إن وردت في ملفوظٍ معينٍ لأنهم يعتبرون ذلك من اختصاص عالم النبات... إلخ.
 
بعد مجيء سوسيرSaussure، انهارت بعض المفاهيم التي نادى بها بريال مثل الاهتمام بالسياق خارج الألسني مثلاً. وهو ما نسفته نظرية سوسير الذي قال بأن اللسان منظومة تشكل أرضية تقف الألسنية فوقها. وعلى الرغم من هذا التطور فإن نظرتي (سوسير) و(بلومفيلد) بقيتا نظريتين اختزاليتين، بمعنى أنهما لم يعطيا علم الدلالة حقَّه من البحث والتقصي. وهذه هي إحدى إشكاليات البنيوية التي كان سوسير من روادها.
 
برز بعد ذلك مفهوم المجالchamps أو الحقل الدلاليchamps sémantique خدمات جليلة إلى الدراسات المعجمية. فتحديد المجال الدلالي يقتضي البحث عن بنية معينة في ميدان الدلالات . وبشكل عامٍّ ، فإن المجالات الدلالية تنطلق من مجال ذهني (السكن، وعلاقات القرابة، والحياة السياسية...إلخ) والمعجمية تلجأ إلى وسائل لغوية تتيح إمكانية توضيح العلاقات القائمة بين العبارات المأخوذة عن مجال ذهني معين.
 
لكن الدراسات المعجمية لم تعطِ المعاني حقَّها لأنها لا تقوم إلا بدراسة دور هذه الوحدة أو تلك في نظامٍ لغويٍّ معينٍ. لذا صار لزاماً على الباحثين إغناء هذا الميدان بمعطيات جديدة، فجاء (برنار بوتييه) واقترح التحليل السيمي sémique ( المكون الأوليّ للعلامة)على غرار التحليل الفونولوجي. فمثلما يشكل الصُويتphonème أصغر وحدة بالنسبة لوظائف الأصواتphonologie فكذلك السيم sème ( ولم لا السمة!) يشكل أصغر وحدة على الصعيد الدلالي (الكرسي مثلاً، يتألف من السيمات التالية: أرجل، مسند، لشخص واحد... إلخ).
 
ويلاحظ أن التحليل هنا لا يقف عند كلمة كرسي فقط، لكنه يحاول الغوص في أعماق مكوناته الدلالية. وبرزت تيارات متعددة لتعالج قضايا الدلالة بأشكال وصيغ مختلفة، مثل: الوظيفةfonctionnalisme، والنسبيةrelativisme ، والتفسيرية، ولا ننسى مساهمة القواعد التوليدية والتحويلية في هذا الميدان، خصوصاً فيما يتعلق بمفهومي البنية العميقة والبنية السطحية... إلخ.
 
وقد لاحظ بركلي – مؤلف هذا الكتاب - أن كل مدرسة ألسنية، كانت تعالج موضوع علم الدلالة من وجهة نظر محددة. فهذه لا ترى المعنى إلا عبر علم التراكيب، وأخرى لا تراه إلا من خلال العلاقات التي بين المتحدث وبين محيطه الاجتماعي (براغماتية) وثالثة ورابعة..
 
من هنا كان اقتراح المؤلف لنظرية جديدة تدرس المعاني استناداً إلى مكونات السيميائية الثلاث: علم التراكيبsyntaxe، والدلالةsémantique ، والبراغماتيةpragmatique . ويعتبر المؤلف أن نظرية من هذا النوع، هي وحدها القادرة على مجابهة إشكالية دراسة المعنى أو الدلالة..
 
الكتاب الذي بين يدي القارئ هو كتاب تقديمي وقد نُوِّه إلى هذا في كل من التمهيد والمقدمة. لذا فهو كتاب موجز ومكثف، لم تكن ترجمته سهلة على الإطلاق.
 
أما قضية المصطلح فقضية شاقة. وفي ترجمتي هذه لجأت إلى عدة أنواعٍ من المصادر:
 
أولاً: ما اتُفِقَ عليه من المصطلحات المُعتَمَدة في كتب الاختصاص.
 
ثانياً: المعجمات المختلفة.
 
أخيراً: ما اجتهدت فيه شخصيا عبر الاشتقاق أو النحت أو القياس.
 
في هذه الترجمة، سيلاحظ القارئ كثرة الحواشي التي كانت ضرورية لتفسير بعض المفهومات أو المصطلحات اللغوية الواردة في سياق الكتاب، والتي لم يفسرها المؤلف، لسببٍ بسيطٍ هو أنها معروفة لدى الدارسين في الجامعات الغربية أما بالنسبة لنا فأعتقد أن الأمر لا يزال في بداياته. لذا أرجو أن أكون في هذه الحواشي قد ساعدت القارئ، وألا أكون قد أثقلت عليه.
 
في الفصول الأخيرة من هذا الكتاب تكثر المصطلحات الرياضية والمنطقية والفلسفية التي حاولت تذليل بعض ما صعب منها، لكنها ظلت صعبة وستعصى –حتماً- على القارئ العجول. أما إذا أراد هذا القارئ كسب ودَّها فلا أعتقد بأنها ستظل موصدة الأبواب دونه.

الصفحات