كتاب "واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه"، تشكل تجربة الاقتصاد الاردني ، رغم خصوصيتها ، نموذجاً متكرراً في البلدان العربية المختلفة في العديد من جوانبه ، ما يجعل رصده وتحليله في اطره السياسية والاجتماعية ، ذا فائدة تتجاوز حدود الاردن ،ويأتي في مقدمة النواقص المت
أنت هنا
قراءة كتاب واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
4. السنوات العجاف
كانت المرحلة الثالثة في الاقتصاد الأردني قصيرة وصعبة للغاية، بلغت سبع سنين عجاف منذ هزيمة حزيران 1967 ولغاية قمة الرباط عام 1974. فقد
بلغ حجم الموجة الثانية من اللاجئين الفلسطينين حوالى 350 ألفًا، كان معظمهم من لاجئي عام 1948، الذين بقوا في الضفة الغربية وغزة في حينه. وقد
شكل فقدان الضفة الغربية ضربة مؤلمة للاقتصاد الوطني في الضفة الشرقية، وتحطيمًا للفرص الواعدة التي وفرتها وحدتهما. كما شكلت ضرورة لإعادة
هيكلة كل منهما نتيجة التغيرات الجذرية في ظروفهما الأساسية.
وتلا ذلك في أيلول سنة 1970 حرب أهلية قصيرة ولكن مريرة وذات آثار عميقة وطويلة المدى. وانتهت هذه الفترة بخروج
القضية الفلسطينية من الإطار الأردني، كما أقر ذلك مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974، التي اعتمدت منظمة
التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وخرجت بذلك الضفة الغربية بالكامل من النظام الاقتصادي والسياسي الأردني، رغم
استمرار تعاظم الوجود الفلسطيني في الأردن، ما شكل الهاجس السياسي والأمني الرئيسي له، وخاصة عندما وصلت نسبتهم من مجموع السكان الآن إلى
حوالى الثلثين، وسيطروا بدرجة كبيرة على القطاع الخاص. كما أصبحوا مادة التنظيم السياسي الإسلامي الرئيسية، الذي يتصدر المعارضة، تاركين الدولة
ومؤسساتها الواسعة في شبه حكر على الأردنيين. (مقولة أهل الثروة وأهل السلطة التي أصبحت عائقًا أمام وحدة الموقف والمصلحة الوطنية).
وقد اعتمد الأردن في هذه المرحلة على مزيد من الدعم الحكومي الأمريكي، وكذلك على تنامي تحويلات الأردنيين العاملين
في الخليج. وشكل النمو الطبيعي والمستمر في السكان وكذلك النزوح من الضفة الغربية، مزيدًا من الأعباء على الدولة والمجتع
الأردنيين في البنية التحتية وفي خلق الوظائف، في ظل الركود الاقتصادي العميق في هذه المرحلة، وعزلة الأردن عن أشقائه العرب، وتراجع
مستويات المعيشة بشكل حاد.
سادت في المرحلتين الثانية والثالثة كثافة الأحداث السياسية والأمنية. وقد أدت هذه الأحداث إلى فقدان التنمية الاقتصادية موقع الأولوية في إدارة الدولة،
والذي استمر منذ ذلك الوقت حتى الآن، كما بدأت مسيرة هروب رأس المال الوطني إلى الخارج. وبانتقال التنمية الاقتصادية إلى الصف الثاني من
الاهتمام الحكومي، أصبحت التنمية خاضعة للاعتبارات السياسية والأمنية المهمومة بحماية الكيان والنظام السياسي. وقد أدى ذلك أيضًا إلى اعتماد الشدة
في الأجهزة الأمنية وإجراءاتها، والى إنعاش المؤسسة العشائرية، وذلك على حساب الوحدة الوطنية والتنمية الاقتصادية.
وبذلك تبدل الخطاب السياسي الأردني من المضمون القومي ومشاريعه المتعددة في المشرق العربي عبر ثلاثة عقود في عهد
الملك عبد الله المؤسس، إلى التركيز على القطرية، وما لذلك من آثار كبيرة على الاقتصاد الوطني الأردني، كما سوف يظهر في الفصول اللاحقة.
وقد توجت المرحلة الثالثة أيضًا خيارات إعادة ترتيب البيت الأردني، وإعادة توزيع أدوار الأردنيين والفلسطينيين في النظام الحاكم وفي المجتمع
والاقتصاد الوطني. وقد كان لذلك آثار هائلة على مستقبل النظام، وعلى التباعد بين الحكم وامتداداته العشائرية والطبقية وأجهزته الأمنية من جهة، وبين
غالبية السكان من الفلسطينيين من جهة أخرى. وقد تبادل الطرفان الجروح والأحقاد التي شملت قتل أحد أهم رؤساء الوزراء في الأردن وصفي
التل، وكذلك القطيعة بين الدولة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية لسنوات طويلة وحتى عام 1984. وقد كان لذلك
استحقاقات اقتصادية كبيرة كما سوف يتضح في الفصول اللاحقة.
وبسبب هذه الأحداث تعطلت الحياة الدستورية في الأردن، وأجرى الملك حسين تعديلات هامة عليها، وخاصة تعليق مجلس النواب لحين
حسم العلاقة الأردنية الفلسطينية التي انتهت مؤقتًا، في فك الارتباط بينهما عام 1988؛ وقد استعان الملك حسين في غياب مجلس الأمة بالمجلس
الوطني الاستشاري، الذي أنشأه استثنائيًا عام 1976، وأحسن اختيار أعضائه نسبيًا وتمثيليًا، ما ترك عنه ذاكرة عطرة لدى المواطنين، بالمقارنة مع نتائج
الانتخابات النيابية اللاحقة بعد عام 1989، التي لم تخل من النشوة في البداية، والتي تلاها تدخل الأجهزة والهبوط والخيبة فيما بعد.
وشهدت هذه المرحلة الصعبة حرب عام 1973 التي لم يشارك الأردن فيها إلا رمزيًا وفي الأرض السورية، وبعد انحسار المعارك الأساسية. وقد أكد
ذلك استمرار الأردن في التزامه بالتحالف التاريخي مع الولايات المتحدة، كما كان تكرارًا للموقف الحيادي في فترة الاعتداء الثلاثي على
مصر عام 1956، رغم الانفراج السياسي الداخلي في حينه. وفي المقابل وأثناء الحرب الأهلية الأردنية الفلسطينية عام 1970، ودخول القوات
السورية إلى شمال الأردن طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل استعمال سلاحها الجوي لتبليغ سوريا رسالة واضحة حول ضرورة انسحابها من الأردن.
ورغم البداية الواعدة بين الطرفين بعد ذلك، تحولت العلاقة بينهما في معظم السنوات اللاحقة إلى برود وخصومة وابتعاد.