كتاب "واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه"، تشكل تجربة الاقتصاد الاردني ، رغم خصوصيتها ، نموذجاً متكرراً في البلدان العربية المختلفة في العديد من جوانبه ، ما يجعل رصده وتحليله في اطره السياسية والاجتماعية ، ذا فائدة تتجاوز حدود الاردن ،ويأتي في مقدمة النواقص المت
أنت هنا
قراءة كتاب واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
5. الطفرة والانهيار
كانت المرحلة الرابعة للاقتصاد الأردني من 1974 وحتى 1989 متسمة بالاستقرار الأمني والسياسي في الأردن والمنطقة العربية باستثناء لبنان،
والحرب العراقية الإيرانية، وبتعاظم الموارد النفطية العربية بشكل انفجاري ولعشر سنوات، ما خلق اضطرابًا وارتباكًا في الاقتصاد العالمي بسبب أسعار
النفط المرتفعة والفوائض المالية المتحققة من ذلك. وفي الأردن تضاعفت المعونات العربية والدولية، وكذلك
تحويلات الأردنيين في الخليج، بالإضافة إلى البدء بالاستدانة الخارجية غير المنضبطة وغير المعلنة بعد تراجع الدعم المالي العربي في
منتصف الثمانينات. وقد أدى كل ذلك إلى ارتفاعات كبيرة في الإنفاق العام على البنى التحتية والمرافق العامة والخدمات الاجتماعية. وأدى ذلك بدوره إلى
ارتفاع كبير في حجم العمولات على العقود الحكومية المدنية والعسكرية للمتنفذين في السلطة، وفي تضخم الثروات العقارية الريعية والكبيرة، وفي
الاستهلاك والاستيراد المتضاعف، وفي إنشاء المساكن الخاصة، وتنامي دور طبقة الوسطاء والمستوردين، وحجمها ورأس المال الريعي، وكبار التجار
والمالكين العقاريين.
في المقابل شهدت القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، تطورًا متواضعًا بالمقارنة مع النشاطات الاقتصادية الخدمية الأخرى،
المرتبطة بالقطاع الخاص وبالقطاع العام، حيث كانت شروط وإمكانيات كسب الأرباح الكبيرة أكثر سهولة. وقد غذى هذه
الطفرة الاستهلاكية استمرار النمو في السكان، حتى ارتفع المجموع من حوالى مليون ونصف إلى حوالى ثلاثة ملايين في هذه المرحلة. وقد شهدت هذه
المرحلة أيضًا تعميق إعادة توزيع الأدوار بين المنابت الأردنية العليا، التي استأثرت بالقطاع العام وخاصة الأمني، والمنابت الفلسطينية العليا التي
انحصرت في نشاطات القطاع الخاص التجاري والمالي والخدمي والاغتراب كما جاء سابقًا. وفي هذه الفترة تضاعف حجم الاقتصاد الأردني ثلاث
مرات. وقد ساهم في ذلك الانتعاش التجاري والصناعي الذي وفره الطلب العراقي على الخدمات والبضائع الأردنية والمستوردة أثناء الحرب
العراقية الإيرانية، وانتعش قطاع النقل، وتوسع ميناء العقبة، فيما ساهم توقف هذه الحرب عام 1988 بالركود
المفاجئ الذي أصاب الاقتصاد الوطني.
ومن مكاسب هذه الطفرة للمجتمع والاقتصاد الأردني تأسيس سوق عمان المالي (البورصة) سنة 1978، وولادة مؤسسة الضمان
الاجتماعي مطلع 1980 على أسس شبه تجارية من الكلفة والعوائد والسيولة المؤسسية، من دون أي مساهمة مالية من الحكومة، وبالرغم من ذلك فقد
كانت فوائدها للمجتمع والاقتصاد الوطني كبيرة، ولكنها تطلبت أكثر من عقدين لتصبح ملموسة مع استمرار وجود سلبيات ومعوقات في إدارتها، وفي
التدخلات الحكومية في قراراتها، وخاصة الاستثمارية منها، وعدم توسيع نطاق خدماتها لتشمل مزايا إضافية للمؤمن عليهم، أو توسيع شموليتها.
وشكلت نهاية هذه المرحلة حالة من الضياع جمعت الكثير من السلبيات، وعكست الاستحقاقات المتراكمة لتشوهات الاقتصاد الوطني الأردني
ونواقصه. فقد تراجع الدعم الخارجي الحكومي، بينما استمر الإنفاق العام، وخاصة العسكري وعمولاته المرتفعة على
وتائر عالية. فتحقق العجز الحكومي المالي الكبير وتراكم حتى لم يبق احتياطيات لدى البنك المركزي، رغم
الاقتراض الخارجي المخفي الذي وصل إلى مستويات مرعبة. وقد زاد قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في هروب أموال
الفلسطينيين من الأردن وتراجع تحويلاتهم من الخليج، وكذلك توقف الحرب العراقية الإيرانية. ونتج عن ذلك انهيار سعر صرف الدينار الأردني 1988
إلى أقل من النصف، وارتفاع كبير في الأسعار وبنسبة 26%، ممّا أدى إلى الاضطراب الاجتماعي والاحتجاج عليه، كما حصل في معان في 17 نيسان
1989، وانتشر إلى الشمال وكذلك إلى جامعتي اليرموك والأردنية. وقد أدى كل ذلك إلى قرار الملك حسين بإعادة مجلس النواب المنتخب وإجراء
المصالحة الوطنية. وكان الأردن قد أجرى مصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1984 ما مكن المجلس الوطني الفلسطيني
من الانعقاد في عمان، كما قاد الأردن حملة إعادة مصر إلى الخيمة العربية دون تخليها عن اتفاقات (السلام) مع إسرائيل، ما رفع
من شأن الأردن ودوره إقليميًا ودوليًا.
لقد أظهرت فترة الضياع هذه هشاشة الاقتصاد الوطني الأردني في موارده وقطاعاته الإنتاجية، وفي اعتماده على الدعم الخارجي وتحويلات
المغتربين. وأظهرت بشكل خاص نتائج ضعف أو سوء إدارة الاقتصاد الوطني التي مازالت لا تحظى بالأولوية. وأظهرت كذلك ضعف إدارة القطاع
الخاص الذي يتسم بالريعية وليس الإنتاجية، بالإضافة لتنامي الفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، واعتماد الحكم على الأجهزة والإجراءات الأمنية
بديلاً من مشاركة القوى الاجتماعية والاقتصادية العريضة، ومطالبها في الشفافية والمساءلة. وقد تلخصت كل هذه النواقص في العجوزات الهائلة في
الموازنة العامة والميزان التجاري، والمزيد من التباعد بين طبقات المجتمع في الثروة والدخل. وقد فاقم كل ذلك
التزايد المستمر والسريع في أعداد القوى العاملة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بوتائر مرتفعة.