كتاب "واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه"، تشكل تجربة الاقتصاد الاردني ، رغم خصوصيتها ، نموذجاً متكرراً في البلدان العربية المختلفة في العديد من جوانبه ، ما يجعل رصده وتحليله في اطره السياسية والاجتماعية ، ذا فائدة تتجاوز حدود الاردن ،ويأتي في مقدمة النواقص المت
أنت هنا
قراءة كتاب واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
واقع الاقتصاد الأردني وآفاقه
8. السكان
أصبح مجموع السكان المقيمين في الأردن عام 2006 حوالى ستة ملايين نسمة، وذلك بالإضافة لحوالى مليون ونصف مليون أردني أو أكثر مع
عائلاتهم في الخليج العربي، ما عدا الذين هاجروا بشكل دائم إلى العالم الجديد وحافظوا على علاقاتهم واتصالاتهم بالأردن. وبالإضافة لذلك، يوجد الآن
أيضًا حوالى مليون ونصف مليون وافد للعمل والإقامة في الأردن وخاصة من مصر والعراق، كما أن معظم العمال منهم دون عائلاتهم.
وبذلك حقق الأردن نموا في عدد السكان في هذه العقود الثمانية بلغ أكثر من ثلاثين ضعفا. وقد كان معدل النمو السكاني في العالم العربي قد بلغ في كامل
القرن العشرين حوالى عشرة أضعاف، أي من حوالى ثلاثين إلى حوالى ثلاثمائة مليون نسمة. ويشكل هذا النمو السريع في السكان ظاهرة لكل من الأردن
والعالم العربي غير مألوفة عالميا، إلا بالحالات الاستثنائية جدًا. وقد كان السبب الأكبر في هذا النمو السكاني السريع في الأردن الهجرة من الأراضي
الفلسطينية، القسرية والطوعية معا، وخاصة بعد عام 1948.
لم تتوقف حركة النمو السكانية السريعة حتى الآن، وذلك بسبب النزيف المستمر من الأراضي الفلسطينية الذي قد يهدأ أو
يتعاظم في المستقبل، وبسبب النمو الطبيعي داخل الأردن الذي ما زال مرتفعا نسبيا، رغم تراجعه عن مستوياته
السابقة. وتضيف حركة الاغتراب المتذبذبة بالاتجاهين أعدادا أخرى. ولذلك فمن الممكن أن يتضاعف عدد سكان الأردن ثانية في
العقدين القادمين إلى ما يصل إلى خمسة عشر مليونًا، ما يؤشر إلى درجة عالية من عدم اليقين الذي يرهق القدرة على التعامل معه والتخطيط له.
لقد كان لظاهرة الانفجار السكاني غير المألوفة في الأردن استحقاقات هامة في الكثير من مجالات الحياة. فمن الجانب الاقتصادي أدت الزيادة الهائلة
والسريعة في السكان إلى إرهاق نسبة أعداد العمالة إلى السكان، التي مازالت دون الربع من مجموع السكان بالمقارنة مع النصف في الغرب، ما أدى إلى
انخفاض مستوى المعيشة. ويعود ذلك بشكل خاص إلى نسب الأطفال الكبيرة في المجتمع وإعاقة المرأة عن المشاركة في سوق العمل. وقد اقتضى النمو
السريع في السكان أيضًا الإنفاق العالي على البنية التحتية. والخدمات الاجتماعية، وخلق الوظائف الجديدة، ما يجعل ارتفاع المستوى المعيشي
أمرًا صعبًا، كما سوف يجري تفصيله لاحقًا. وسوف يبقى هذا الحال ما دام التزايد السريع مستمرًا.
واتسعت أسواق الأردن الاستهلاكية بشكل كبير وسريع بسبب تزايد السكان، ما جعل الكثير من النشاطات الاقتصادية أكثر جدوى، كصناعة الدواء والتعليم
العالي والخدمات الصحية مع تشجيع الانطلاقة التصديرية لها جميعًا. وقد أدت كلفة وبطء خلق الوظائف الجديدة لاستيعاب الزيادة السكانية إلى نسبة بطالة
عالية، وإلى السعي الحثيث للهجرة والاغتراب ونتائجهما الإيجابية والسلبية الواسعة، التي لم تتوقف الدولة والمثقفون الأردنيون عند رصدها
ودراستها كما تستحق.
وأدى التزايد السكاني السريع والكبير إلى تحول الأردن من إمارة صحراوية شبه خالية من السكان، وعازلة بين دول الهلال الخصيب ومجاوريه
الآخرين الأكبر حجمًا، إلى دولة ذات الثقل النسبي والتأثير الأكثر، وخاصة عند وحدة الضفتين عام 1950. وأدى هذا التأثير المتزايد
بدوره إلى الاهتمام الكبير به من قبل القوى الدولية، وخاصة أمريكا وأوروبا واليابان والصين والدول العربية النفطية. كما عزز هذا التزايد السكاني
دور الأردن العازل والرابط في آن بين جيرانه وجعله أكثر فاعلية. وأدت هذه الزيادة الكبيرة في السكان، مع تعاظم التأجج القومي والمد الثوري في
الخمسينات، إلى مخاطر وتحديات أمنية للدولة، ما اقتضى بناء الأجهزة الكبيرة والقادرة على مواجهة هذه الحال المستجدة، بالمقارنة مع أحجامها
المتواضعة في العقود الأولى بعد نشوء الكيان. وأدى ذلك إلى إلغاء مكاسب التنمية السياسية نحو الديمقراطية في كل من المجتمع المدني ونظام الحكم،
وتراجع أولوية التنمية الاقتصادية اللتين اتسم بهما الأردن عند قيامه. وأدى ذلك أيضًا إلى تباعد المسافة بين الحكم والمجتمع في المواقف والأجندات،
وكذلك في التواصل المباشر.
لقد وفر المسرح الاجتماعي المتوسع باستمرار عبر العقود الثمانية ونصف العقد الماضية، امكانية قيام مجتمع جماهيري يشجع
استقبال الأداء والمنتج الثقافي المحلي والخارجي، كما يشجع الحوار حول القضايا الاجتماعية والثقافية كافة، وقيام المنابر الإعلامية وخاصة الصحفية،
رغم تدني سقف الحريات المتوافرة لهذه المنابر، وحصر الإعلام المرئي والمسموع بالمؤسسة الحكومية. وقد كان لتنامي حجم عمان العاصمة إلى حوالى
ثلاثة ملايين، بما في ذلك العمالة والوافدين من الخارج من بضعة آلاف قليلة في البداية، تأثير واضح في وتيرة التمدن ومستواه، وولادة الشخصية الأردنية
الأكثر تطورًا. وقد شمل هذا التمدن المتنامي تزايد الحريات الشخصية والاجتماعية، وتنوع الخدمات الثقافية والترفيهية، حتى أصبح الأردن جاذبًا للسياحة
الثقافية والعلاجية، والمؤتمرات والمهرجانات والمتاحف والمعارض على المستوى الإقليمي.