كتاب "العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب"، عندما فاجأت العولمة العالم الإسلامي بظهورها واقتحامها، اصيب المسلمون بالذهول، والكثير اختلطت عليه الأمور ولم يعد يملك القدرة على استيعاب المتغيرات، والاحداث التي سيطرت على الكرة الأرضية اليوم، وبناء على هذا التحدي الخ
أنت هنا
قراءة كتاب العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

العولمة وتاريـخ الصراع مع الغرب
ولو ابتعدنا عن سيناريو المؤامرة التي اصبحت قضية تلغى بسببها كل الاستنتاجات التي تحلل الاحداث وفق البرامج المعدة سلفا فانا نعود نؤكد ان توظيف القضية لصالح الصهيوينة سار بشكل متناسق يبعث على الدهشة ويثير التساؤل حيث كان الخطاب الامريكي الصهيوني قبل الاحداث يتسارع في تعئبة العالم ضد الاسلام او ما يسمى بالارهاب فقد صرحت مادلين اولبرايت بقولها: ان ارادة الرئيس كلنتون تعتزم كل ما بوسعها لدحر الخطر الثلاثي المتمثل في دول وتنظيمات ارهابية وشبكات متطرفين تمتاز بحرية في الحركة، وقالت: ان نوعا جديدا من المواجهة تلوح بينما القرن الجديد يبدأ، واضافت من المحتمل ان يتجنب خصومنا ميادين القتال التقليدية وقد يلجأون بدلا من ذلك الى اسلحة الدمار الشامل، ثم اعلنت في كلمتها امام الكونجرس في 24/2/1999 عن برنامج جديد تبنته الولاياتالمتحدة يمتد لخمس سنين لمواجهة (جماعات التطرف) وخصصت له الادارة الامريكية 50 مليار دولار وقالت: ان الخطة الخمسية تمثل مجرد بداية.
كل ذلك يدفعنا الى التفكير بعمق لنتعلم كيف نتعامل مع الاحداث ولاسيما بعد احداث ايلول فانها مع قساوتها على المسلمين كانت تمثل مرحلة جديدة في تاريخ المسلمين وهي مدرسة في الصبر والثبات واليقين يحتاج اليها المسلمون اكثر من اي شيء اخر لكي يعرفوا عدوهم فان هؤلاء اليهود من الخبث والمكر والدهاء بحيث يملكون القدرة على ازاحة المسلمين الضعفاء والذين تزعزعت الثوابت العقدية عندهم. وانهم يفعلون كل شيء من اجل الوصول الى غاياتهم، ومن امثلة مكرهم التاريخية ما يعرف بمذابح النازية او مذابح هلتر اللذين يطلق عليهم (ضحايا الهولوكوست) وهذه القضية ما زال اليهود يبتزون العالم الغربي بها ويحصلون على الدعم المادي والمعنوي من الدول الغربية بسببها، وقد صدرت عدة در اسات غربية تحلل هذه القضية واكدت هذه الدراسات ان الارقام التي يذكرها اليهود حول ضحايا النازية مبالغ بها ومع المبالغة والتضخيم هناك تعتيم على الضحايا المسيحين الذين قتلوا في معسكرات النازية مع اليهود ولكن الضوء المسلط فقط على قضية قتلى اليهود لاظهارهم بصورة المضطهدين عبر التاريخ لكسب عطف الرأي العام الغربي بالاضافة الى ذلك فان الدراسات الغربية كشفت عن خلفية المذبحة وانها كانت مؤامؤة من اليهود الصهاينة الذين تعاونوا مع قياديـي هتلر على ذبح اليهود الارثوذكس - اي اليهود الاصولين المؤمنين بالديانة اليهودية وتمت العملية من اجل التأثير على العقلية اليهودية واسقاط الحدث في لا شعور اليهود للبحث عن الخلاص وارض الميعاد في فلسطين.
كل هذه القضايا التي اثارتها تفجيرات ايلول كانت تدفع العالم باتجاه البحث عن الحقيقة وسط اوهام العولمة واوهام القوة والمال والنظام العالمي الجديد وادت الاحداث كذلك الى زيادة وعي التيار الوسطي في العالم الغربي الذي يؤمن بالحوار والسلام ويبحث عن حلول واقعية وانسانية لمشاكل العالم، وفي حديث للرسول (صلى الله عليه وسلم) يصف فيه الروم او الغرب بانهم يملكون القدرة والقوة حتى قيام الساعة فقد ذكر الحديث (تقوم الساعة والروم اكثر الناس .. ويصف الحديث اسباب قوتهم منها انهم اسرع افاقة بعد مصيبة واحكم الناس عند فتنةواسرعكرةبعد فرة ينظر النهاية في الملاحم والفتن لابن كثير الجزء الاول حيث يذكر درجة الحديث والحديث مروي في كتب الصحاح)، وفي هذا الحديث يرسم لنا رسول الله الخارطة السياسية للعالم والى قيام الساعة ويدلنا على منهجية للتعامل مع الاخر وفق الرؤية الواقعية ولكي لا نستدرج الى صراع غير متكافئ وعليه لابد للمسلمين ان يعيدوا قراءة الغرب على منهجية المرجعية الاسلامية (الكتاب والسنة) وان يعيدوا كذلك قراءة واقعهم ويصححوا موافقهم وفق المنهجية نفسها، واننا ندرك بأن الغرب ليس بمغلق او انه مرفوض جملة وتفصيلا أو انه يمثل الشيطان والشر والكفر ولكن هناك غرب عادل وغرب ظالم وهناك قيم وافكار صالحة للاقتباس والتفاعل واننا لو تخلصنا من عقد الانغلاق التاريخي والتعالي المجوف وعقدة الخوف من التماس او الاتصال فاننا سنجد ان الاخر لا ينطلق من فراغ وانه ليس باثم كله اذا نظرنا الى العالم وفق هذه الرؤية سنجد ان بعض الاخر يبحث عن حلول ويثير اشكالات يطلب فيها ان نتعاون لكي تصل الى الحقيقة وهذه هي مهمة المسلمين في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي بل ان هذه الفرصة قد وفرتها لنا العولمة اكثر من غيرها من خلال تسهيل عملية الاتصال ولو بحثنا في الغرب لوجدنا حتى اليهود الذين يعيشون في الحياة الغربية وتأثروا بها خصوصا اولئك الذين ينظرون الى اسرائيل من خلال العقل والحكمة سنجد ان هؤلاء فيهم من يبحث عن حل ويريد ان يعرف الحقيقة التي ضاعت وسط اوهام العولمة والاعلام، وقد ظهرت في اوربا في القرن التاسع عشر حركة اصلاح يهودية تأثرت بحركة الاصلاح والمسيحية وبلورت هذه الحركة اتجاهين:-
1. اتجاه يريد التخلص من العقد اليهودية والاحباطات والذل التاريخي التي ادت الى العزلة في (الجيتو) فيلجأ الى نقد اللاهوت التوراتي ثم يحاكي عصر التنوير فينتقد اللاهوت المسيحي ويحاول الاندماج في الحياة الغربية، وهذا الاتجاه صادق في تحوله ولكنه بالنسبة للرؤية الاسلامية اخطأ في الاتجاه.
2. اتجاه يريد اختراق الاخر ويخطط لذلك ويسلك في عملية اختراقه طريق تهديم العقائد لجميع الاديان ويفكك الاشياء وينسف المرجعيات الثقافية والفكرية والايديولوجية ويلغي المركز ويعوم العقل ويصل به الى العدمية عندها تتحول الحياة الى عبث وهذا ما تسعى اليهافكار الفلسفات المعاصرة (الحداثة - ما بعد الحداثة). واليهود الذين ينادون بهذا الاتجاه هم يهود صهاينة غير صادقين برغماتيون تحركهم مصالح ويخططون بخبث ودهاء لتدمير القيم والاخـلاق في كل كما قـال تعـالى:(وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) يعني تدميـر الانسان وتدمير البيئة. وهؤلاء هم الذين اختطفوا قرار قيادة العالم ويتحكمون في مصيره الان.
وعلى اساس ما توضح لدينا من خلال اعادة النظر في تفجيرات ايلول وانعكساتها نود ان نؤكد ان الامر يحتاج الى اعادة نظر في المواقف والرؤية ومحاولة تغليب جانب الحوار والتعايش على جانب الصراع من اجل الهيمنة واذا كانت العولمة مثلت في آليات حركتها على ارض الواقع جانب الصراع والظلم والطغيان فان الخطاب الاسلامي مطالب باعادة التوازن للحياة من خلال التمسك بمنهجية السلام والحوار ليس خوفا او استسلاما وانما عن طريق التمسك بثوابت الاسلام والتمسك بالايمان بالله والاعتقاد بأن ما يجري في الارض انما بعلمه وحكمته، واننا عندما نقرأ الاحداث على ضوء السياق التاريخي فإن ذلك يزيد من رصيد الوعي ويعمق الافكار عند تفاعلها مع الاحداث وان هذا السياق التاريخي لا يعني الاستسلام امام الاقدار بقدر ما يعني التركيز على العوامل المؤثرة والحقائق الفاعلة في صياغة الحدث وظهوره على مسرح الواقع، والرؤية الاسلامية تستمد مقوماتها من العبر التاريخية التي تؤكد على استمرارية الارتباط التاريخي لنسق الاحداث وان تشكل الظواهر لا يأتي من فراغ خصوصا على مستوى الاحداث المرتبطة فكريا وعقديا في حياة الانسان والمجتمع ووفق هذه الرؤية المستمدة من توجيهات القرآن والسنة يكون ارتباط المنهجية الاسلامية والاحداث المرتبطة بها اكثر عمقا واشد ارتباطا واكثر شمولية للتجربة الانسانية في حين تكون منهجية الفلسفات الاخرى وليدة الظروف الموضوعية والمصالح والاهواء ثم بعد ذلك يقوم منظروا هذه الفلسفات بربط الاحداث بالجذور التاريخية ويبحثون لها عن صياغات عقائدية او ايديولوجية لزيادة فاعليتها وفي محاولة لتأصيلها تاريخيا لايجاد المبررات الفكرية وكسب الاتباع وتحقيق الاهداف المرسومة لها كما يذكر الدكتور عابـد الجابري ان الامريكيين مولعون بالتاريخ والتراث ويسكن في قلوبهم وعقولهم حب الاشياء التي تربط الانسان بتاريخه ويبحثون دائما عن التاريخ والتراث في مفردات الحياة الامريكية وذلك يعكس قلقهم وشعورهم بالفراغ التاريخي وفقدانهم للجذور التاريخية وتلك ازمة انثروبولوجية يعاني منها العقل الامريكي، وعندما يرتبط المسلم بالرسالات والانبياء ويحول ذكراهم الى عمق انساني فانه يعبر بذلك عن شعوره بالاستقرار النفسي التاريخي وكما في الحكمة الاسلامية (دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة) فان الحكمة تسحب العقل الى اقصى انتماء انساني وتؤكد تواصل التجربة الاسلامية الانسانية وانقطاع التجربة الارضية.

