كتاب "مذكرة في الأدب الأندلسي"، لقد فتح العرب والمسلمون الأندلس سنة 92هـ وأسسوا فيها دولة إسلامية عربية حكمت زهاء ثمانية قرون فكانت أيامها مشرقة مزدهرة، وقد أقاموا فيها صروحاً شامخة من الوان من المعرفة وفيما الأدب الذي يعد أثراً من أثار البيئة الأندلسية، وق
أنت هنا
قراءة كتاب مذكرة في الأدب الأندلسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
ملامح الثقافة الأندلسية
لما استقر المسلمون في الأندلس، وأمنوا على حياتهم ومصدر رزقهم بدأوا في الدراسة والبحث وقد عرف أهل الأندلس بالذكاء المتوقد والبديهة الحاضرة والرغبة في طلب المعلم والحرص على تحصيله فاتجهوا إلى المشرق ينهلون من معارفه ويأخذون عن العلماء علوم الدين واللغة والأدب ثم عادوا اليها ونشروا تلك المعارف حتى سيطرت الثقافة العربية على ما عداها في الأندلس وتسربت منها إلى أوروبا، فأنارت عقولهم وفتحت لهم الطريق إلى المدينة والحضارة، وأول شيء اعتمدوا عليه في بحثهم هو الكتاب والسنة، فكانت أفكارهم مستمدة من هذين المصدرين وكانت علوم الشريعة وعلوم اللغة وما يتصل بتقويم اللسان ونصاعة البياض كل زادهم من الثقافة.
ثم مست الحاجة إلى العلوم الاخرى، فبحثوا في الفلك والطب والرياضة والفلسفة وغيرها من العلوم.
وكان لطبيعة الأندلس الجميلة الأثر الملموس في صفاء نفوسهم وتوقد قريحتهم وخصوبة ذهنهم وسرعة بديهتهم فبرعوا نتيجة لذلك في علوم الدين واللغة والأدب، فكان الأندلس مكانة مرموقة في العلم والأدب.
لم تتخذ الثقافة في الأندلس طابعها المميز الا في فترة الإمارة بقرطبة اما في عصر الولاة فقط كان اعتماد الثقافة الأندلسي على الثقافة المشرقية كبير وأمداً لا ريب فيه لانشغالهم بالحروب المتواصلة والصراعات الطاحنة فلم يكن لديهم متسع من الوقت للبحث والدراسة.
ولما جاء عصر الإمارة شعر المسلمون بالاستقرار إلى حد ما ومست الحاجة إلى لثقافة المستقلة لتصبح لهم مكانة بارزة ينافسون بها إخوانهم المشارقة وهناك عدة عوامل ساعدت على ازدهار الثقافة وانتشارها في ظل إمارة الأمويين بالأندلس وهي:
* أولــها: وفود كثير من الأمويين الفارين من بطش العباسيين إلى الأندلس كما أتى من المشرق كثير ممن يرغبون في الإقامة بالإقليم الجديد، وكثيراً من الذين وفدوا على حظ من الثقافة والمعرفة.
* ثانيـــها: عودة البعثات التعليمية التي جد الأمراء في إرسالها للدراسة في المشرق العربي، فقد عاد رجالها وفي حصيتهم عدد وفير من العلوم والمعارف المشرقية فكانوا خير رسل لتنشر هذه الثقافة.
* وثالــث العوامل: انتشار مسجد قرطبة وغيره من المساجد التي أضحت بمثابة الجامعات في وقتنا الحاضر، ففيها يتلقى طلاب العلم علومهم في حلقات على ابرز علماء العصر.
وتعتبر هذه المساجد النواة الأولى للجامعات الأندلسية التي انتشرت في أرجاء الأندلس فيما بعد، وكانت الدراسة بها تدور حول العلوم الدينية من حفظ للقران وتفسيره والوقوف على قراءاته ودراسة السنة النبوية والشريعة ودراسة الفقه على مذهب الإمام مالك بدلاً من مذهب الاوزاعي.
أما الثقافة في عصر الخلافة فقد بات واضحاً للدارس انها شقت طريقها المستقل عن المشرق (إلى حد ما) وصارت لها شخصيتها المتميزة والذي ساعد في ازدهارها في هذا العصر هو ما نعمت به البلاد من توحد واستقلال وأمن ورخاء وهذه كلها أسباب من شانها ان تدفع بعجلة الثقافة والرقي والحضارة إلى الإمام، فنبغ علماء عديدون في اللغة والأدب والعلوم.
والثقافة في عصر الطوائف لها نظرة خاصة، فانه بالرغم مما ساد في هذا العصر من الفوضى والانحلال وكثرة الحروب والمنازعات فانه يعتبر عصر ازدهار للعلوم والفنون، وبالرغم من طغيانهم المطبق فقط طلوا حماة للعوم والآداب والفنون بل كان معظمهم من النابهين في الأدب والشعر والعلم وغدت قصورهم منتديات زاهرة ومجامع يجتمع فيها أساطين العلم والفن، وحظي هذا العصر بجمهرة وفيرة من العلماء وقادة الفكر وفي مقدمتهم الفيلسوف (ابو محمد علي بن حزم) وقد بسر علماء عصره في العلوم الدينية وأصول المذاهب والنحل وفي المنطق والفلسفة وفي اللغة والمعرفة بالسير والأخبار ومن مؤلفاته (طوق الحمامة) و(جمهرة انساب العرب) و(نفط العروس) وله كتاب (الفصل في الملك والأهواء والنحل).
ومن أعلام العصر (ابو الوليد الباجي) ومن كتاب الموسوعات ابو عبيد البكري وكان متبحراً في علوم اللغة.
ومن اشهر مؤرخي هذا العصر إلى جانب ابن حزم، المؤرخ الكبير (ابو مروان بن حيان) وله كتابان هما: "المتين والمقيس في أخبار أهل الأندلس"، ومن مؤرخي هذا العصر ابن بسام الشنتيري الذي يعد كتابه (الذخيرة) أهم كتاب يتحدث عن عصر الطوائف تاريخياً وأدبياً واجتماعياً.
أما الثقافة في دولة المرابطين فيجب ان نشير في هذا الموطن ان دولة المرابطين كانت دولة عسكرية بدوية المنشأ، خشنة الطباع لا تميل إلى أساليب التمدن الرفيعة، ولم تحظ بازدهار لافت للنظر، بل مطاردة أمراء المرابطين للبحوث الكلامية والآراء الفلسفية، كان له الأثر البالغ في صد الحركة الفكرية والحيلولة دون نموها وازدهارها. ولكن رغم ذلك كله فقد احتفظ هذا العهد بجمهرة كبيرة من رجال وأساطين المعرفة.