أنت هنا

قراءة كتاب مذكرة في الأدب الأندلسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مذكرة في الأدب الأندلسي

مذكرة في الأدب الأندلسي

كتاب "مذكرة في الأدب الأندلسي"، لقد فتح العرب والمسلمون الأندلس سنة 92هـ وأسسوا فيها دولة إسلامية عربية حكمت زهاء ثمانية قرون فكانت أيامها مشرقة مزدهرة، وقد أقاموا فيها صروحاً شامخة من الوان من المعرفة وفيما الأدب الذي يعد أثراً من أثار البيئة الأندلسية، وق

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 6
3. ثم انهارت الخلافة الأموية وسادت الفوضى أرجاء الأندلس وهو ما يسمى بعصر الفتنة، حتى جاء عصر الطوائف وبالرغم من النزاعات المستعرة والمتواصلة بين ملوك هذا العصر، فانه يعد عصراً ذهبياً للشعر والشعراء، فقد كان ملوك الطوائف يتنافسون فيما بينهم في جذب الشعراء إلى دولهم، واجتهد كل واحد منهم في ان يكون له اكثر من شاعر يتغنى بأمجاده ومفاخره، فكثر الشعراء وتكالب عليهم الأمراء، مما ادخل في نفوسهم التيه والعجب، وبجانب ذلك كان لكل أمير من أمراء الطوائف ميزة خاصة تؤهله لتذوق الشعر.
فامتاز (ابن ذي النون) صاحب طليطلة بالبذخ والإسراف وتذوق الشعر وفاق (ابن زين) صاحب السهل أقرانه في الموسيقى واختص (المقتدر) صاحب سرقسطة بالعلوم وبرز (أبن طاهر) صاحب مرسية أقرانه بالنثر الجميل المسجوع.
فالشعر أضحت له المنزلة العظيمة والمكانة المرموقة عند الجميع، يتسابقون اليه ويتبارون في جني ثماره واستنشاق رياحينه حتى بلغ من منزلة الشعر عندهم ان أبياتاً من الشعر كانت كفيلة بالتجاوز عن كل كذب ونيسان كل إساءة، حتى الحدود كانوا يغضون عنها إمام روعة الشعر وفتنته.
اما بنو عباد (أصحاب اشبيلية) فقد احتل الشعر في بلاطهم المكانة المرموقة، والمنزلة الرفعية، فبرزوا غيرهم وتربع الشعر على عرشهم واصبح الناس جميعاً في هذا العصر يتسابقون في فرض الشعر أو حفظه، فاحتل بهذا في نفوسهم مكاناً كبيراً، والى هذا يشير (ليفي بروفنسال) يقوله: "كان القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري) عصر ملوك الطوائف عهداً عرفت فيه إسبانيا اكثر إشراق شعري من غير شك".
واخذ الشعراء يجوبون الأندلس ولاً وعرضاً يقصدون بيوت الأمراء فينالون جزيل الصلات، وتفيض جيوبهم بالذهب والفضة، وتخلع عليهم اعظم الوظائف قدراً وأعلاها منزلة حتى ان الواحد منهم كان يصل إلى كرسي الوزارة بقصيدة شعر.
وتراسل كبار الأندلسيين الشعر كالمعتمد بن عباد وكانت بطاقاتهم تحمل عبارات العتاب والاعتزاز، إلى ان صارت حياتهم كلها شعراً، ينامون على نغماته، ويستيقظون على إنشاده، ويمثل لهذا الطور ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد والأعمى التطيلي وأبو بكر بن القصيرة وغيرهم.
ومن ألمع هؤلاء الشراء: ابن زيدون (أحمد بن عبد الله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي) الذي ينتهي نسبة إلى قريش، فهو عربي الأرومة ولد في أوائل سنة 344هـ، بالرصافة من ارض قرطبة، وتوفي سنة 463هـ، وتثقف ابن زيدون ثقافة عالية، اذ كان أبوه قاضياً في قرطبة غزير العلم والأدب إلى جانب جاهه وتراثه.
كان (ابن زيدون) منذ صباه كثير الميل إلى العلوم العربية وحفظ كثيراً من أشعار العرب ونثرهم، وعرف الكثير من أخبارهم وأمثالهم، وكانت له دراية بالفلسفة التي أفادته في رسالته الهزلية، ويذكر المؤرخون من أساتذته أستاذين هما:
أبو بكر بن مسلم بن احمد النحوي الأديب، والذي كان له باع طويل في علم العربية واللغة ورواية الشعر، اما أستاذه الأخر فهو، القاضي ابو بكر بن ذكوان الذي كان متعدد الثقافات، فثقافة ابن زيدون متعددة ومميزة، وقد ساعده على ذلك إضافة إلى ما قدم كثرة الكتب التي جلبت من المشرق، فاطلع عليها وافاد منها وله ديوان مطبوع.
وشغف (ابن زيدون) بولادة بنت المستكفي شغفاً ملك عليه زمام قلبه وصاغ فيها غزلاً يعد من درر اشعاره ومنه النونية الشهيرة التي يقول فيها متحسراً على ايام الوصال ويشكو ما يحسه من شوق ووجد:
اضحي الثنائي بديلاً عن تدانينا
وكان عن طيب لقيانا تجافينا
الا وقد حان صبح البين صبحنا
حين فقام بنا اللحن ناعينا
من مبلغ الملبسنا باشراحهم
حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا
ان الزمان الذي ما زال يضحكنا
انساً بقربهم قد عاد يبكينا
وكان يقصد منتداها الأدبي الذي توطدت من خلاله صداقتهما التي تطورت إلى حب جاف، كما كانا يلتقيان في حدائق (قرطبة) وبساتينها أعلى ان هذا الحب لم يدم طويلاً، اذ حدثت بينهما جفوة شديدة، فتذيقه (ولادة) عذاب المهجر ولظى الحرمان، على حين يظل ابن زيدون الحبيب الوفي، فنبدي لها من التلطف والتقرب ما يتم عن شدة ووجدة، ويذهب المؤرخون كل مذهب في تقليل هذا الجفاء، فيرى بعضهم ان سبية جاريتها التي كان يغازلها في حضرتها حين تنشر أشعارهن فدبت الغيرة في قلبها كدبيب النار في الهشيم فأحرقتها بلهيبها فكان الجفاء، بينما يرى البعض الأخر ان سبب ذلك انضمامه لحركة الجمهوريين وذلك يتنافى مع معتقدها السياسي لانها ابنة الخليفة اموي، وكانت تتمنى لأهلها الوصول إلى السلطة ثانية، ففي انصرافه إلى الجمهوريين طعن لها، لذا فارقته.

الصفحات