لما وقعت بالعراق النازلة بتداعي الأحلاف من كل صوب تجاهه, وتساقطت أسواره , واحتلت أراضيه وأمصاره ؛ وتسلل تحت جنح الاحتلال أعداءه وحساده ؛ والنزاع من القبائل قصدوا تجاهه ؛ وقعت -جراء تصادم ذلك كله على أرضه- الفتن المدلهمات , والنوازل المستجدات –واحدة إثر أخرى
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الشامية في مسائل النازلة العراقية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
الجهاد في العراق –شروطه وضوابطه
«إن الجهاد في سبيل الله عزوجل فريضةٌ عظيمةٌ وهو قوام الدين كما قال-صلى الله عليه وسلم-: [رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد].
وقد أمر الله به في كثيرٍ من الآيات وحث عليه ورغب فيه , وكذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمر بالجهاد ورغب فيه وحث عليه وبين فضائله ، حتى أن بعض العلماء عده ركناً سادساً من أركان الإسلام لأهميته ولكثرة ماجاء في شأنه من الآيات والأحاديث وهذا شيء لا شك فيه وهو مجمع عليه بين أهل العلم.
وهذا الباب مدون في كتب الحديث , وفي كتب الفقه , وفي كلام أهل العلم وضعوا له شروطاً وضوابط أخذوها من كتاب الله ومن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه أمرٌ مهم , ولكن في وقتنا هذا كثر القيل والقيل في هذه المسألة العظيمة , وتناولها أناس ليس عندهم بصيرة ولاعلم ؛ فتكلموا في الجهاد مابين متشددٍ وغالٍ فيه , ومابين جافٍ ومتساهلٍ في أمر الجهاد .
حتى أن بعض الجهال , وبعض المغرضين من أعداء الإسلام يصفون الجهاد في الإسلام بأنه وحشية , وأنه إكراه على الدين والله جل وعلا يقول : [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ], ويزعمون أن الإسلام ليس فيه قتال وليس فيه جهاد -هذا جانب-.
والجانب الآخر : متشدد فيه ؛ ويتكلم فيه بغير علم , وبغير بصيرة , وبغير ضوابط شرعية ؛ فلذلك ينبغي الإهتمام ببيان هذا الأمر العظيم , وقد قال -صلى الله عليه وسلم- [إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها اللهَ للمجاهدين في سبيل الله، مابين الدرجتين كما بين السماء والأرض] » .
ولما كان الجهاد متعلقا بحفظ الأديان والأعراض والأبدان والأموال لخاصة المسلمين وعامتهم ؛ ومتعلقا بحفظ ديارهم وأوطانهم ؛ كان الكلام فيه من جنس الكلام في عظيم الأمور ؛ فلا يتولاه إلا الراسخون في العلم ؛ كما قال سبحانه وتعالى [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا].
ومن هذا الباب جاءت فتاوى أهل العلم في بيان أحكام الجهاد في نازلة العراق –بخاصة- , ومن ذلك :
الجهاد المشروع واجب حتى قيام الساعة
«السؤال : يتهمكم البعض أنكم لا تتكلمون في الجهاد وكأنه منسوخ عندكم ؟.
الشيخ مشهور حسن ...
الجواب : أما (الجهاد منسوخ) فأعوذ بالله من هذا ! .
وأما أنه ليس من دين الله فهذا كفر ! .
وأما أني لا أتكلم عنه فلأني لا أسوق على نغمة ما يطلبه المستمعون , وإنما على نغمة على ما يحتاجه المستمعون ؛ فلما يحتاج الناس إليه ؛ فأفعل .
وأما وهم دونه لا يقدرون عليه , ولا يلزمهم ؛ فليس من الواجب إلا تعليمهم إلا ما يلزمهم. وأسأل الله أَنْ يَمُنَّ على الأمة فيفتح لهم ابواب الجهاد , وكما قال ابن المبارك : (الجهاد باب لا يفتحه الله إلا لخاصة أوليائه) .
وأما والأمة لا يوجد فيها أولياء فالجهاد عنها بعيد ، وأفعالنا هي التي أوصلتنا إلى اغلاق أبواب الجهاد ، ونحن الآن نعلم الناس دين الله , لعل الله يكرمهم فيصلون لتلك المرتبة .
أمّا وهم على هذه الحال ؛ فالجهاد هو نغمات لتحصيل منافع وشهوات خفيات , والوصول إلى المناصب والمكاسب , لذا ينبغي أَنْ نصون الجهاد عن الابتذال .
تكون بلبلة في العراق ؛ فيفتي بعض المشايخ أَنَّ الجهاد معهم واجب , والبعض يفتي أَنَّ الجهاد ضدهم واجب , وكلاً يوصِّفُ أَنْ وجوبه شرعي .
لذا لو نادى منادي الجهاد لما تحرك ساكن لذلك ؛ لأن الناس يعرفون أَنَّ المشايخ يبتذلون مصطلح الجهاد .
لذا ؛ أدعو كل صادق إلى ترك ابتذال لفظة الجهاد , وأن لا يتعجل في أَنْ يوجب على الناس ما لم تجبه قواعد أهل العلم في الاستنباط والاستدلال .
إنما أصبح الجهاد [اليوم] دعاية وإعلام وليس عبادة وطاعة ؛ لذا ندعو بقوة إلى ترك ابتذال مصطلح الجهاد , وأن لا ينادى به إلا لأناس هم أهل له , ويقدرون له ؛ وتحققت [فيهم] شروط الجهاد .
أما أَنْ يبقى سلعة وشعار فهو منهج بعيد عن منهج أهل العلم الربانيين السابقين واللاحقين وممن ترينا على أيديهم وجلسنا مجالسهم».