يحتل موضوع القضاء الإداري مركزًا هامًّا بين موضوعات القضاء الإداري ذلك أن هدف القاضي الإداري تقويم أعمال السلطة الإدارية إذا ما حادت عن احترام القواعد القانونية فيما تمارسه من نشاط وأعمال، الأمر الذي يحقق حسن الإدارة مع الحماية الكاملة لحقوق الأفراد وحرياته
أنت هنا
قراءة كتاب موجز في القضاء الإداري الأردني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المبحث الثالث : نطاق مبدأ المشروعية
يتناول فقه القانون العام ثلاث حالات في مجال البحث في نطاق مبدأ المشروعية، ولإيضاح مدى تأثيرها على هذا النطاق تتمثل في السلطة التقديرية من جهة، والظروف الاستثنائية من جهة ثانية، ومن ناحية أخرى على أعمال السيادة، وسنعالج هذه الحالات كما يلي:
أولاً السلطة التقديرية
تعني السلطة التقديرية إعطاء المشرع قدراً من حرية اتخاذ التصرف الإداري بينما إذا ألزم المشرع على الإدارة أن تتصرف بطريقة معينة في أحد اختصاصاتها، فإن هذا الاختصاص يكون مقيداً، ولذلك سنتناول مفهوم السلطة التقديرية، ثم الرقابة القضائية على تلك السلطة.
أ- مفهوم السلطة التقديرية:
إذا اشترط القانون توافر شروط معينة أو ظروف محددة أو إذا فرض القانون على الإدارة اتخاذ موقف معين لكي تمارس نشاطها أو يلزمها بمباشرة عمل معين عند توافر أوضاع بعينها عندئذ تكون سلطة الإدارة مقيدة، أما عندما تمنح الإدارة قسطاً من حرية التصرف أو الامتناع عن اتخاذه، أو اتخاذه على شكل معين، أو اختيار الوقت الذي تراه مناسباً للتصرف، أو عند تقديرها للسبب الملائم لإصدار القرار، أو في تحديد محله، والسلطة التقديرية في حقيقة الأمر هي وسيلة لتطبيق القانون والالتزام بمبدأ المشروعية مثلها في ذلك مثل السلطة المقيدة، غاية الأمر أن المشرع قدّر أن منح قدر من حرية التصرف للإدارة في موضوع معين هو أجدى وأنفع لتحقيق الهدف من هذا الموضوع مما لو قيدها بتوقيت أو أسلوب معين للتصرف بشأنه، ومن ثم فإنه يتخلى عن تحديد نشاط الإدارة بشأن هذا الموضوع كله أو في بعض جوانبه، تاركاً للإدارة حرية التصرف والتقدير بموجب خبرتها الخاصة، وأن اعتبارات تغير الظروف وتطورها المستمر، تجعل تنظيم كل دقائق نشاط الإدارة بقواعد محددة مسبقاً أمراً صعباً ومستحيلاً ومن ثم فإننا لا نبتعد عن الحقيقة القول بأنه كلما تخلى القانون عن ذكر التفاصيل التي تتضمن القواعد التي تنظم النشاط الإداري فإن المساحة التي يتضمنها الاجتهاد الإداري تتسع وتزداد تبعاً لذلك السلطة التقديرية للإدارة في هذا الصدد أما حين يتولى القانون تنظيم هذا الجانب أو هذه العناصر بقواعد ملزمة عندئذ يتعين على الإدارة الالتزام بتلك القواعد بحيث يكون قرارها مشروعاً أو غير مشروع بقدر التزامها بتلك القواعد، ومن ثم فإن السلطة التقديرية تمنح للإدارة إذا لم يوجد ثمة نص يحدد مسلك الإدارة، أو منصوصاً عليه في القانون، أما إذا حدد القانون للإدارة التصرف على نحو محدد، فينبغي للإدارة التقيد بذلك الوصف المحدد مسبقاً وبعموم القول فإن المشرع عادة ما يقيد سلطة الإدارة إذا ما تعلق الأمر بحقوق وحريات المواطنين، لكي لا تترك تلك الحقوق والحريات العامة تحت رحمة رجل الإدارة يتصرف كيفما يشاء فتصبح هذه الحقوق وتلك الحريات في مهب الريح.
أما موقف محكمة العدل العليا بشأن السلطة التقديرية فقد حددته من خلال الأحكام التالية:
[للإدارة سلطة تقديرية عندما تقوم بتنظيم المرفق العام، وهي تملك تقدير مصلحة المرفق بشرط عدم المساس بحقوق الأفراد والموظفين، فإذا تبين للمحكمة من الظروف التي عاصرت صدوره أن رجل الإدارة قد استهدف غاية خلاف المصلحة العامة يصبح القرار مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، وعليه فلا يعتبر القرار الذي لم يتضمن المساس بالمستدعي ولا بمصالحه الوظيفية من حيث الراتب والدرجة، ولم يثبت أن الإدارة قد استهدفت غاية خلاف المصلحة العامة مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة] (23).
وقضت في حكم آخر [تحقيقاً للمصلحة العامة فإن للإدارة كامل الحرية في اختيار من تتعاقد معه من المقاولين الحائزين على ثقتها ولا تلزم بالتعامل مع من فقد ثقتها من المقاولين نتيجة تقصيره أو إهماله في تعامله معها في عطاءات سابقة إلا أنه يتوجب عليها وهي عندما تمارس هذه السلطة أن تراعى الشرعية في إجراءاتها].
ويتعين القول أن السلطة التقديرية هي حقيقة واقعة وهي أمر حتمي يغني النشاط الإداري، لا سيما أن الإدارة الحديثة إدارة خدمات، والغاية من ذلك تمكينها من أداء وظيفتها على أكمل وجه، وهذا ما أكدته أحكام محكمة العدل العليا [إن وجود سلطة تقديرية للإدارة معناه أن يكون للإدارة سلطة اتخاذ الموقف الذي تراه مناسباً عند تحقق الغرض الذي هدف إليه القانون](24).
وفي حكم آخر قضت المحكمة الموقرة [أن على الإدارة عندما تستعمل سلطتها التقديرية أن تتحرى غاية المشرع، وعلى ضوء هذه الغاية تصدر قرارها، وحيث أن غاية المشروع من المادة 125/2 من الدستور والمادة الثانية من تعليمات الإدارة العرفية هو الدفاع عن المملكة وسلامتها العامة،فإن الأمر العرفي ينبغي أن يصدر لتحقيق هذه الغاية فقط فإن تجاوزها يكون معيباً ويتعين إبطاله](25).