كتاب "إبراهيم بن الأشتر "، كان الأشتر في صخب التداعيات الخطرة لخلافة الإمام، قائداً على مقدمة جيشه في البصرة وصفّين، ورجل المهمات الكبرى، ما شكّل إحراجاً لمعاوية، فأخذ يخطّط لاغتياله، حتى إذا تحقق ذلك اختلّت الجبهة العراقية ولم يعد ممكناً إعادة تشكيلها على
أنت هنا
قراءة كتاب إبراهيم بن الأشتر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وكان الأشتر في صخب التداعيات الخطرة لخلافة الإمام، قائداً على مقدمة جيشه في البصرة وصفّين، ورجل المهمات الكبرى، ما شكّل إحراجاً لمعاوية، فأخذ يخطّط لاغتياله، حتى إذا تحقق ذلك اختلّت الجبهة العراقية ولم يعد ممكناً إعادة تشكيلها على النحو الذي كانت عليه قبل التحكيم وتمرّد الخوارج. ولم يطل الوقت حتى اغتيل الإمام ومعه الخلافة الراشدية، التي استُبدل بها ملك وراثي، أخذت تتبلور صورته في مقولات معاوية وهو بعد والٍ لعثمان على الشام، كما سبقت الإشارة.
وفي القدس دعا معاوية إلى بيعته (41هـ)، مما يرجّح دوافع ذلك بعاملين: القطيعة مع الخلافة الراشدية التي انطلقت من المدينة، متكئة على تراث الرسول، وانتقلت مقرّاً أواخرها إلى الكوفة، بعد عملية التفريغ التي شهدها الحجاز في سياق الفتوحات والثورة ـ الفتنة، والثاني، تكريس السمة الشامية لخلافة بني أمية، وذلك في اختيار القدس غير البعيدة عن دمشق مكاناً لإعلانها، حيث تحتشد القبائل الموالية لها، والتي شكّلت مادتها وعصبها وضمانة صمودها.
وقد رضخت الأمصار للحكم الأموي طواعية أو بالإكراه، بما في ذلك الكوفة، إلا أن الأخيرة ظلّت مصدر قلقٍ له، ولم تُثنها وسائل القمع عن الاستمرار في الممانعة. ولكن إعدام حجر بن عدي كانت له ارتدادات سلبية على مشروعها التغييري بقيادة الحسين، ما أربك ثورته التي انتكست قبل أن تصل إلى قاعدتها في الكوفة. وعلى الرغم من ذلك، فقد تعملق الحسين شهيداً هزّ أركان الخلافة الأموية، قبل أن يُسقط بدمه رجلها الأرعن يزيد، الذي غاب فجأة في ظروف غامضة.
والمرحلة حينئذٍ، كان يمسك بعنانها مناضل، لم يتردّد اسمه كثيـراً في الروايات التاريخية، إلا أنه كان حاضراً بقوة في الكوفة، وهو إبراهيم بن الأشتر، الذي عزف عن الانخراط في تيّار الثأر للحسين، إذ وجد فيه هدراً لطاقات الشيعة في غير محلها، مندرجاً في مشروع تغييري لم يكن متسرّعاً فيه، وإنما كان يترقّب السوانح الموائمة للتعبير عنه، وفي المحصلة كان إسقاط الحكم الأموي في صميم أهدافه. هذه الشخصية الفذّة، أول ما يلفتك فيها، نقاوة المبدأ، ورصانة الدور، وفروسية نادرة على غير ادّعاء، فلم يَحدِ عن خطّه الثوري الجذري أو يساوم على قضية آمن بها، أو ترتجّ في وعيه الثوابت التي قادته في النهاية إلى خيار كربلائي، فكان بحقٍّ ابن أبيه، الأشتر العظيم.
... وبعد، فلطالما أثار هذا المناضل الشكيم اهتمامي واستفزني التعتيم عليه، فيما المختار الذي صعد إلى السلطة بسيفه، وبه تعقّب أيضاً قتلة الحسين، ينتزع الضوء منه. وكنتُ أُسوّغ عزوف المؤرخين عن ابن الأشتر، بأنه في شخصيته الهادئة، ربما لم يستثر الغرائز في موضوعة الثأر للحسين، كما كان من أمر المختار، أو ربما بسبب ضحالة المادة التاريخية غير الكافية لدراسة شاملة عنه. وقد ظلّت تراودني لفترات طويلة، فكرة الكتابة عنه، انتصافاً لرجل قيمي لم ينل سوى هامش من التاريخ، ولم أبرح بدوري نصيراً لمثل هذه النماذج، المقاومة لجبروت السلطة وطغيانها، من أجل أن تسود العدالة، وإن أخفقت فالشهادة هي «الفوز العظيم».
ولا أزعم أنني وجدتُ من المادة، ما يكفي للإحاطة بتاريخ ابن الأشتر، سوى ما كان من تفاصيل ما في السنوات الخمس المثيرة من حياته (66ـ71هـ)، وما قبل ذلك لم تتعد أخباره لمحات سريعة، جمعتُ شتاتها لدعم هذه الدراسة، ولكنني لم أدّخر جهداً لوضع هذه الشخصية في دائرة الضوء الذي كان خافتاً في مكان وساطعاً في آخر، إلّا أنها ظلّت محبوكة في السياق، وقليلاً ما انقطعت عنه. ولعلني في النهاية، استعدته من أقبية النسيان، إلى الموقع الذي يستحقّ، متوخّياً الموضوعية وعدم الجنوح إلى المبالغة، وكانت ملاذي في ذلك، المصادر المكرّسة التي استبرتها روايات ودلالات، حتى قُدِّر لهذا الكتاب أن يُنجز، ولم أظنّ ذلك ممكناً.. ولكنني غامرتُ وجبهت التحدي، من دون أن تفارقني هواجس التعثّر، ربما لأول مرة، في المهمّة الصعبة.
بيروت في 3/12/2011