أنت هنا

قراءة كتاب إبراهيم بن الأشتر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إبراهيم بن الاْشتر

إبراهيم بن الأشتر

كتاب "إبراهيم بن الأشتر "، كان الأشتر في صخب التداعيات الخطرة لخلافة الإمام، قائداً على مقدمة جيشه في البصرة وصفّين، ورجل المهمات الكبرى، ما شكّل إحراجاً لمعاوية، فأخذ يخطّط لاغتياله، حتى إذا تحقق ذلك اختلّت الجبهة العراقية ولم يعد ممكناً إعادة تشكيلها على

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وقد حاول قادة الوفود، استمالة من تبقّى من الصحابة الكبار: علي، طلحة، الزبير[47]، لتعزيز جبهتهم، ولكنهم لم يلقوا استجابة، خصوصاً من جانب علي الذي ما انفك يتجنّب الصلة بهم[48]، من دون أن يقطع الحوار مع عثمان، حيث وضع ابنيه حرساً على داره، مُدركاً خطورة سقوط الخلافة. ولكنه على الرغم من جهوده لحماية الخليفة فقد تبرّم الأخير منها[49]، حتى إذا ابتعد الصحابة عنه، واستمرّ بتأثيرٍ من مروان في مماطلة الثائرين، أعلن هؤلاء الحصار عليه، ذلك الذي انتهى إلى مصرعه على يد جماعة من الرجال المغمورين من الوفد المصري، وهم ينتمون إلى قبائل متأخرة في إسلامها، مما يبدو في الطريقة التي تمّ فيها اقتحام دار الخليفة، واستهداف بيت المال[50]، معبّراً عن نمط خاص بهذه القبائل. وقد يتفق ذلك مع ما نُسب إلى الحسن بن علي، عندما سُئِل إذا «كان فيمن قتل عثمان من المهاجرين أو الأنصار؟ قال: لا، كانوا أعلاجاً من أهل مصر»[51].
والقتلة في النهاية معروفون، وقد تسلقوا الجدار في وضح النهار كما ذكرتهم، بأسمائهم الروايات التاريخية، وهم: كنانة بن بشر الليثي (التجيبي). والسكونيان: قبّرة وسودان بن حمران، إلى الغافقي بن حرب، الأكثر ضلوعاً في الاغتيال[52]. وكان آخر من حادث عثمان، محمد بن أبي بكر، في محاولة يائسة لإقناعه بالاستجابة لمطالب الثائرين «فلما خرج وعرفوا انكساره»[53]، حسب رواية سيف، اقتحم القتلة الدار وأجهزوا على الخليفة، دون أن يكون التوقيت مصادفة، أو تكون المبادرة عفوية، وإنما كانت الخطّة مدبّرة بإتقان، لإلقاء التهمة على محمد بن أبي بكر، ومن ثمّ توريط علي بها، إذ كان الأخير أحد المقرّبين منه.
أين كان الأشتر من هذه التطورات؟ يقول كليمان هوارت: «لمّا ثارت الفتنة خرج الأشتر إلى «المدينة» في مائتي رجل (35/655). ولكن علياً أغراه بما يعتزمه من ضروب الإصلاح، فرجع مع رجاله، غير أنه لقي في طريقه رسولاً للخليفة يحمل أمراً بقتل الأشتر، ومع هذا لم يشترك في محاصرة بيت عثمان أو في قتله»[54]. وسواء أكانت معرفة سابقة تشج بين الاثنين، أم أنها استجدّت في المدينة بعد قدوم الأشتر مع وفد الكوفة إليها، فإن القائد النخعي بدا متأثراً منذ البداية بشخصية علي، ومنخرطاً في تيّاره الإصلاحي، وحريصاً على عدم الانجراف في التطرّف، بما يُسيئ إلى الخلافة والإسلام. وكان واضحاً أن مصرع عثمان زاد الأمور تعقيداً، فقد شغر موقع الخلافة خمسة أيام، دون أن يكون لدى الثوّار حلّ للأزمة الصعبة، كذلك الصحابة الثلاثة: طلحة، الزبير، سعد بن أبي وقّاص، تهيّبوا الموقف، فاعتكف الأخير، فيما الأوّلان، تحت وقع الصدمة، خبطا في متاهة والتبست عليهما المخارج، ولم يكن ثمة شك أن كليهما كان توّاقاً إلى ملء الفراغ، ولكن أحداً لم يُظهر رغبة علنية في ذلك، خصوصاً وأن موقفهما، في أحسن الحالات، كان رمادياً إزاء ما سُمي، اصطلاحاً بالفتنة، أو التصرّف بحكمة قبل انفجارها وبعده. وفي المحصّلة سيقع على عليّ الاختيار الصعب، ويقطف «ثمرة تلك الفعلة المحمّلة بالبلاء»[55]، كما وصفها ولهوزن، فتقبّل البيعة مكرهاً، بعدما فقدت الخلافة بريقها المركزي الذي بدأ ينطفئ في عهد سلفه[56].
وكان الأشتر حينذاك في أتمّ نشاطه، مُذلِّلاً العوائق أمام الخليفة الجديد ومواجهاً بحزم المتردّدين في البيعة، ومنهم على سبيل المثال عبد الله بن عمر، وقد همّ بضرب عنقه لولا أن ثناه عليّ عن ذلك[57]. ولكن البيعة على الرغم ممّا أُحيط بها من التشكيك، كانت أكثر التزاماً بمعايير «الشورى»، إذ بايع المهاجرون، وعلى رأسهم طلحة والزبير، كذلك حظيت بنسبة إجماع من الأنصار، وأقرّت بها الأمصار، من دون الشام التي كان لها مشروعها الخاص، وقد اتّضحت ملامحه في العامين الأخيرين للعهد السابق.
وهكذا بدت خطط عليّ الإصلاحية متعثّرة في أول الطريق، فما كاد يبادر إلى تنظيم جهازه الإداري في المدينة والولايات، حتى نكث طلحة والزبير البيعة، وقد كانت واهية في الأساس، إذا تمّت في صخب الفتنة، من دون أن يلتقي كلاهما على حدٍّ أدنى من الجوامع المشتركة مع الخليفة الجديد. وما لبثت عائشة أن استدرجتهما إلى التمرّد، حيث سبق لها اللجوء إلى مكة، ساخطةً على عثمان، محرِّضة عليه[58]. ثم التحق بهم يعلي بن منية من اليمن ومعه خراجها، ليُستثمر في تمويل حركة اعتراضية على بيعة علي، وجدت في البصرة بؤرة مناسبة لها. والمفارقة، أن القضية المشتركة للمتمرّدين، عبّر عنها شعار الثأر للخليفة السابق: «ائتمروا وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان»[59]، حسب الرواية في تاريخ الطبري. وعلى الرغم ما اتّسمت به هذه الخطوة من خروج على وحدة الجماعة، إلا أنها لم تخل من استقطاب ربما أسهمت فيه زوج الرسول أكثر من شريكيها الناكثيْن، ما كان له تأثيره في الدخول إلى البصرة والسيطرة عليها. وكان لا بدَّ حينئذٍ أن يحزم عليّ أمره ويغادر المدينة، وهو مدرك أنه لن يرجع إليها، بعدما فقدت الأخيرة موقعها الموائم عاصمةً للخلافة، وتحوّل الثقل السكاني والاقتصادي إلى الأمصار، في أعقاب حركة الفتوح[60].
ولم يكن لدى الخليفة من الأنصار ما يكفي لإخماد الفتنة الجديدة، ومع ذلك جازف بالخروج، فكانت محطّته الأولى في الربذة، مصرّحاً فيها، بأن غايته الإصلاح ودرء الفتنة[61]، فبايعته طيء، ثم بعد وصوله إلى فيد التحقت به أسد، حتى إذا بلغ ذي قار وجّه الأشتر إلى الكوفة، حيث تردّد إليها أيضاً محمد بن أبي بكر وعبد الله بن عباس، إضافة إلى محمد بن جعفر والحسن بن علي وعمّار بن ياسر[62]. وقد نجح هؤلاء في جمع بضعة آلاف على رأسهم القعقاع بن عمرو وعديّ بن حاتم والمسيّب بن نجبة ويزيد بن قيس وحجر بن عدّي[63]، ممّن غدوا وآخرون رموز التشيع في الكوفة. وكان للأشتر دور أساسي في تحشيد القبائل من اليمن ومضر، فلم يكن «يمرّ ـ حسب مروية ابن الأثير ـ بقبيلة فيها جماعة إلّا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى... إليه في جماعة من الناس، فدخله وأبو موسى في المسجد يخطبهم ويثبّطهم[64]، والحسن يقول له: اعتزل (يقصد الأشعري) عملنا وتنحّ عن منبرنا، وعمّار ينازعه.. فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر، أخرج.. ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر»[65].
وما زال الأشتر وأصحابه يجدّون في حشد الأنصار حتى بلغوا اثني عشر ألفاً[66]، حسب الرواية السالفة، ما عزّز جبهة الخليفة الذي كان من الصعب عليه تحقيق نصر من دون مساندة الكوفة بعد انضواء عدد كبير من قبائلها إليه. ولذلك غادر مطمئناً ذي قار إلى البصرة، وهي على الرغم من خضوعها للمتمردين، لم تكن بأكثريتها مقتنعة بالشعار الذي استخدمه قادتهم وهو الثأر لعثمان، فيما كانوا قبلاً من أشدّ المحرّضين عليه[67]، في الوقت الذي طغى شعار «الإصلاح وإطفاء النائرة» على خطاب علي[68]. وكان يعني ذلك أن تبايناً واضحاً ساد بين فريقين، أحدهما يتسلّح بشرعية الخلافة ومعها الدعوة إلى السلام، والثاني تغلب عليه نزعة العداء لعلي، مدافعاً في العلن عن شرعية فقدت وجودها، ويُخفي في الباطن توقاً إلى السلطة والنفوذ. كما أن التوازن بعد مدد الكوفة، اختلّ بينهما، إذ قدّر الطبري في روايته أن سبعمائة فقط من أهل المدينة ومكة[69]، انضموا إلى الحركة الانفصالية، ولم يلتحق بها في البصرة أكثر من ثلاثة آلاف[70]، ولذلك لم تدم الحرب سوى أربع ساعات[71] بحسب رواية اليعقوبي، كانت كافية لاندحار الحركة وقتل رمزيها: طلحة والزبير، فيما أُسرت عائشة وأُعيدت مكرّمة، بشفاعة كونها زوج الرسول، إلى مكة[72]، وقد عهد علي إلى الأشتر القيام بهذه المهمة[73].
بعد ذلك أعلن الخليفة انتهاء الحرب من دون تداعيات سلبية، وفاقاً لتشريعه المعروف بـ «قتال أهل القبلة»: (لا يُجهز على جريح ولا يُتبّع مولٍّ، ولا يُطعن بوجه مدبر، ومَنْ ألقى سلاحه فهو آمن...)[74].. والصراع كان سياسياً ولم يُحسم في هذه المعركة، ولكنه ابتدأ فعلياً حينذاك، ممهّداً لنهاية مأسوية للخلافة التي انحرفت عن مضمونها القيمي، وباتت مجرّد ملك وراثي عضوض.

الصفحات