كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
مدخل نظري: إشكالية الخلافة الإسلامية
الرحم والمنشأ
استعصت قضية الخلافة على المهاجرين والأنصار إثر وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم عن عمر ناهز الثلاثة والستين عاماً قضى معظمه في الدعوة بمكة سراً وعلناً، حتى تاريخ رحيله إلى الرفيق الاعلى بالمدينة المنورة بعد أن تمكن من إرساء معالم الدولة الإسلامية . وكان موضع الخلاف في منشأه، يجسد مطمح شرعي حول من يتولى زمام الأُمة في غياب الحبيب المصطفى ، بمعزل عن بيان "منا أمير ومنكم أمير"، وبمعزل عن تلك النعرات الجاهلية.(9)
يومها احتدم الخلاف بين الصحابة حول صيغة "الأئمة من قريش" ، عندما أحتج نخبة منهم في سقيفة بني ساعدة على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جعل الخلافة في تيم وعدي دون سائر القبائل العربية العدنانية الشمالية والقحطانية الجنوبية . فبنو هاشم كانوا أولى الصحابة بها نظراً لغزارة علم أئمة أهل البيت بكتاب الله وسنة رسوله من جهة ، ونظراً لقرابتهم من بيت النبي من جهة أُخرى . وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان من الصحابة والتابعين .
غير أن الفاروق عمر رضي الله عنه ، كان قد عقد العزم على استئثار قريش بالخلافة في لقاء السقيفة . حينه كان ابن ابي طالب قد تنحى جانباً هو وعمه العباس بن عبد المطلب ومن معهم من بني هاشم ورهط من الصحابة ( المهاجرين والأنصار ) ، الذين أبو مبايعة أبو بكر الصديق . وقد سجل علياً احتجاجه : " أنا أحق بهدا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتأخذونه منا أهل البيت غصباً ؟ وأردف قائلاً : " ألستم زعمتم للانصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ، فاعطوكم المقادة ، وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار ، نحن أولى برسول الله حياً وميتاً فانصفونا إن كنتم تؤمنون وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون ." (10)
وجاء رد الفاروق متهدداً ومتوعداً : " إنك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال له علي : احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً .. والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه .
فقاله له الصديق : فإن لم تبايع فلا أكرهك .
فقال ابو عبيدة بن الجراح مخاطباً علياً : يابن عم إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور .. فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك ، وسابقتك ونسبك وصهرك ." (11)
إن قرار عمر بحصر الخلافة في تيم وعدي أثار حفيظة الإمام علي ، الذي أبدى موقفاً متصلباً ، بقوله : " الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته .. لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهدا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله ، فتزدادوا عن الحق بعداً . " (12)
ومن يتأمل نص خبر السقيفة في أًمهات المصادر يتضح له أن نظرية الخلافة الإسلامية لم تقم أساساً على مبدأ الشورى ، وإنما قامت على أساس العصبية والغلبة . فالمؤسسة الخلافية ، منذ نشأتها الأولى برزت إلى حيز الوجود كرياسة دينوية أستاثرت بها بطون محدودة من قريش . إذ تذكر الروايات التاريخية أن أبي سفيان قال ذات مرة مخاطباً عشيرته الأقربين : " يا معشر بني أميه أن الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها ، وقد صارت إليكم فتلقفوها بينكم تلقف الصبي الكرة : فو الله مامن جنة ولا نار . " (13) ويذهب عمر إلى القول نفسه بأن بيعة ابي بكر "كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه . " (14)
ومن هنا نستطيع أن نفرز إتجاهين لدى الفقهاء والمؤرحين : الأول يرى أن الحديث الشريف ( الأئمة من قريش ) ينسجم مع الآية الحكيمة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيــرا ً( . (15) فاذا اجتمعت طهارة المولد ورفعة الشرف مع صفة العلم والهداية، كان عقلاً ترجيح الأفضل على المفضول . فالرواية نفسها ترد في صحيح البخاري عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : يكونوا اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي : كلهم من قريش . ونجد في نهج البلاغة شرحاً مبيناً لمعنى الأئمة من قريش . يقول الإمام علي : " أن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم . " (16)