كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
لقد خدمت هذه الالقاب الدينية أصحابها في تحقيق مأربهم الدنيوية ، كما هو الحال في سائر الخلافات الإسلامية ، وعلى وجه الخصوص الخلافتين الأموية والعثمانية ، باعتبارهما مرآة لتعاقب الخلفاء والسلاطين والمستبدين والمتجبرين في الأرض . ووجه الشبه بين الخلافتين أن الأولى ، بددت الأوهام العالقة في أذهان الناس حول مفهوم الإمامة العظمى ، باعتمادهما العصبية والغلبة معياراً للسلطة والحكم = ملك عضوض . أما الثانية ، فقد جاءت مجسدة لمفهوم الخلافة المغتصبة، كما هو معلوم أن الاتراك العثمانيين منذ قيام سلطنتهم لم يتلقب سلاطينهم بلقب خليفة عن جدارة ، سوى السلطان محمد الفاتح بعد انتزاعه القسطنطينية من أيدي البيزنطيين عام 858هـ/ 1453م . (44)
وعليه ، فالخلافات الخمس بمختلف مسمياتها ، من وجهة نظرنا ، ليست خلافات طارئة في المشهد السياسي في تاريخ الإسلام ، كونها شكلت تداعيات سياسية متواترة في مجرى انتقال الإمامة العظمى من الخلافة إلى ملك واستقرارها لزمن في قريش . فليس غير ذي معنى، بالنسبة لمؤرخ مخضرم وفقيه مالكي المذهب سني الهوى كعبد الرحمن بن خلدون تقلبت به الأحوال من المغرب إلى المشرق ، أدرك بحصيفته أن عصبية قريش انتقلت إلى ملوك العجم بعد سقوط الاندلس وبغداد في أيديهم ، فأخذ يشدد بدوره "القول باشتراطها وصحة الإمامة للقرشي ولو كان عاجزاً للقيام بأمور المسلمين".(45) ناهيك عن أنه توسع في اشتراط النسب بالقول : " إن الأحكام الشرعية كلها لابد لها من مقاصد وحكم تشتمل عليها وتشرع لأجلها ونحن إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصلة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في المشهور وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصلاً " . (46) ويمضي قائلاً : " لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت فلا بد إذن من المصلحة في اشتراط النسب وهي المقصودة من مشروعيتها " . (47)
تلك كانت جملة الأسباب ( المقاصد ) الشرعية و ( العصبية ) السياسية التي حملت ابن خلدون الأخذ برأي فقهاء الجمهور في مسألة شرط القرشية ، باعتبارها قرينة وحجة لمفهوم الخلافة والصحبة ، جنباً إلى جنب مع مفهوم العصبية والغلبة . (48) وهذا ما جعله يقول : " وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها إلا اعتبار العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فتسكن إليه الملة وأهلها وينتظم حبل الالفة فيها وذلك أن قريش كانوا عصبة مُضر وأصلهم وأهل الغلبة منهم وكان لهم على سائر مُضر العزة بالكثرة والعصبية والشرف فكان سائر العرب يعترف لهم بذلك ويستكينون لغلبهم . " (49)
كانت الخلافة الراشدة ، كما تذكر الروايات المتواترة عن نفر من الفقهاء والمؤرخين الأقدمين والمحدثين بمثابة العصر الذهبي في تاريخ الإسلام. فما هي الأسباب الكامنة وراء الخلافات العنيفة بين المهاجرين والانصار ، التي أودت بحياة ثلاثة من الخلفاء ( عمر وعثمان وعلي ) رضوان الله عليهم ، وبعدد غفير من حفظة القرآن الكريم ؟ وهل كانت قضية (الخلافة) أمر إلآهي ، أم أنها نابعة من اجتهاد أرضي ؟ وما موقف علماء المسلمين من مثل هذه الظاهرة التاريخية : مؤسسة الخلافة أو بتعبير آخر الإمامة العظمى ؟
أما الغايات والمقاصد من وراء تعميم هذا الاصطلاح ( الخلافة الراشدة ) ، فقد جاء منسجماً تماماً مع النص القرآني ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ((50) فالخلفاء الراشدون كما تجمع المصادر هم جماعة تلي الأمر بعد الرسول عليه الصلاة والسلام ، بحسب التسلسل التاريخي : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي . فتاريخياً لم يكن اسم الخليفة متداولاً في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام بمعناه الاصطلاحي إلا في شخص الإمام علي . وكان أبو بكر قد سمى نفسه "خليفة رسول الله وكتب بذلك إلى الأطراف " (51) وبالمثل اطلق عمر على نفسه "خليفة خليفة رسول الله ، فعدلوا عن تلك العبارة لطولها " . (52)
والمرجح أن تسمية ( إمير المؤمنين ) قد عرف بها خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام من دون إستثناء . لكن الإمام علي وولديه الحسن والحسين أحتفظوا بلقب ( إمام ) تعظيماً لشأنهما كونهما ينحدرا من بيت النبوة . وقد ثبت أن علياً كان هو الخليف الوحيد الذي يردد القول: "سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل نزلت أم جبل" (53) ، دليل قاطع على إحاطته بعلوم القرآن . وهكذا خصوا علياً باسم الإمام نعتاً له بالإمامة التي هي أُخت الخلافة ، (54) في محاولتهم الدفاع عن أحقيته بها ، وعن آهلية أئمة آل البيت في قيادة الأُمة .
وإذا كان الإمام يحيى بن الحسين الرسي قد جعل التشيع مذهباً لبلاد اليمن الأعلى ، فقد سبقه الإمام محمد بن إدريس الشافعي في هذا المضمار أشواطاً كثيرة . تذكر أمهات الكتب التاريخية ملابسات قدوم الشافعي إلى اليمن لتولي منصب القضاء في بلدة نجران ، فتحول الفقيه بين ليلة وضحاها إلى داعية لمذهب أهل العدل والتوحيد . هذا التحرك السياسي كان محسوباً عليه من قبل السلطات العباسية التي وجهت له تهمت العلوية ، فسيق مصفداً بالأغلال إلى بغداد سنة 184هـ/800م .(55) ليس من النادر ولا من المستغرب أن يتعرض الفقيه لمساءلة السلطان، ومحاسبته ، سيما وقد ألصقت به تهمة الخروج عن ثوابت الدعوة العباسية .
بهذا الصدد - محاسبة الخليفة هارون الرشيد للإمام الشافعي - نورد هنا مقاطع من المحاكمة العلنية التي جرت أشرف على تسيير مجرياتها نفر من فقهاء السلطان برئاسة الفقيه محمد بن حسن بن فرقد ، الذي بادر الرشيد بالقول: "يا أمير المؤمنين هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته فإنه رجل لسن .
- الشافعي: مهلاً يا أمير المؤنين فإنك الداعي وأنا المدعو ، وأنت القادر على ما تريد مني ، ولست القادر على ما أريد منك ، يا أمير المؤمنين ما تقوله في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده؟ أنهما أحبُّ إليَّ ؟
- الرشيد: الذي يراك أخاه .