كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
والمرجح أن تسمية ( إمير المؤمنين ) ، قد عرف بها خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما عدا الإمام علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين، الذين احتفظوا بلقب (إمام) تعظيماً لشأنهما كونهما ينحدرا من بيت النبوة . وقد ثبت أن علياً كان هو الخليف الوحيد الذي يردد القول : "سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل نزلت أم جبل" (31) ، دليل قاطع على إحاطته بعلوم القرآن . وهكذا خصوا علياً باسم الإمام نعتاً له بالإمامة التي هي أُخت الخلافة ، (32) في محاولتهم الدفاع عن أحقيته بها ، وعن آهلية أئمة أهل البيت في قيادة الأُمة .
ولتبيان المعاني الأصلية وما تفرع عنها من مصطلحات إصطلاحية ومفاهيم سياسية، نعيد الكرة ثانية لمراجعة هذه الإشكالية الفقهية المسيسة، من منظور تاريخي ، نرمي من وراءه إلى توضيح ما ألتبس حول المصطلح ومسمياته المختلفة ، بل وتطبيقاته في مختلف الأزمنة والأمكنة . فهذا التحول من النبوة إلى الإمامة والإستخلاف، الذي طبقه الرسول الكريم في حياته أثناء إقامته بالمدينة المنورة (يثرب) ، حين كان بين الفينة والأُخرى يستخلف فيها أحد الصحابة كلما غادرها في غزوة أو سرية . وممن استخلفهم كان الصحابي عمرو ابن مكتوم وابا ذر الغفاري والإمام علي بن أبي طالب . وهذا الاستخلاف أشبه ما يكون بالإنابة المحددة _زماناً ومكاناً - أثناء غيابه عن مجتمع المدينة ، فيتولى الشخص المستخلف رعاية شئوون أُسرة النبي وإقامة الصلاة وغيرها . (33)
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن "الخلافة" عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يوصي أحدهما الآخر القيام مقامه في غيابه . و "الخالف" هو الذي يقعد بعد ذهابك ومؤنثها الخالفة. والخلافة هي الإمارة ، أو النيابة عن الغير ، أي الإمامة . (34) وهذا الكلام جرى تأكيده على لسان الخليفة الراشد ابو بكر الصديق ، عندما دنى منه إعرابي ، وهو يتبوء منبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، فبادره بالسؤال ، قائلاً :
- أنت خليفة رسول الله ؟
- الصديق : لا .
- الإعرابي : فما أنت ؟
- الصديق : أنا الخالفة بعده ، أو قال ثانية : أنا خالفة ولست خليفته ، بمعنى أن ( ابو بكر ) تلى النبي في الزمان ، لكنه ليس بدلاً عنه وخلفاً منه . (35)
ينطوي مسمى خليفة ( الجمع خلفاء ) إذن على معنيين ، أحدهما لغوي والثاني إصطلاحي . فمفهوم الخلافة ، أو الولاية كما بينها الفقيه الماوردي ( ت450هـ / 1508م ) "بأنها موضوعة الخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا " . (36) أما المؤرخ ابن خلدون ، فيرى أن القائم بأمرها هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها بمقتضى التكاليف الشرعية رعاية منه لمصالحهم في العمران البشري ، والقائم بها يدعى خليفة وإماماً . (37)
وهكذا أضحى مصطلح خلافة مرادفاً لنفس المصطلح " إمام " و" أمير مؤمنين" ، في مجمل الخطاب الديني وموجهاته السياسية العقدية قديماً وحديثاً ، كما سيرد في الشواهد التاريخية. حيث لم تعد الإمامة العظمى أو بالاحرى إمارة المؤمنين حكراً عقدياً على أئمة آل البيت أنموذجاً لنظام الحكم يحتذى به ، منذ تنازع صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام أمر قيادة الأُمة. وهكذا لم تعد مقالة "منا أمير ومنكم أمير " مستساغة لدى سادة قريش ووجهائها ، الذين حسموا الصراع على السلطة لصالح الغلبة والعصبية ، بمعزل عن منطق الإجماع والشورى . فقد خشيا الشيخان ( ابو بكر وعمر ) أن يختزل الأنصار المجتمعون في السقيفة حول شخص سعد بن عباده، فحاولا قطع الطريق عليه كما فعل بني أمية مع الإمام الجليل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.(38) لهذا السبب تمنع نفر من الصحابة تقديم البيعة لابي بكر ، حينه لولا تهديد عمر بحرق دار فاطمة الزهراء ، أخذ يحث الصديق على إنتزاع البيعة عنوة من ابن عبادة ، بقوله " لا تدعه حتى يبايع " . وفي عهد عمر تعرض زعيم الأنصار لعملية إغتيال في بلاد الشام ، وشيع يومها خبر مفاده أن الجن قتلوه.(39)
إذا ما تجاوزنا المعنى الفقهي ، أو الاصطلاحي لمعنى الخليفة أو الإمام ، إلى المفهوم السياسي لمغزى الرئاسة ، يتضح لنا أن جوهر الخلاف بين القوم كان حب الرئاسة والتمسك بها، تماشياً مع الحديث الشريف "خياركم في الجاهلية ، خياركم في الإسلام " ، والحديث الآخر "الأئمة من قريش " . وقد أوجز ابن خلدون الفقيه والمؤرخ المخضرم مفهوم الخلافة على نحو رمزي : "مقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من اثار الغضب والحيوانية ، وكانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق مجحفة بمن تحت يده من الخلق في احوال دنياهم لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من اغراضه وشهواته " . (40) ويذهب ابن تيمية إلى أبعد من ذلك في قوله أن الخلفاء والأئمة هم " نواب الله على عبادة " . (41)
وقد كانت الاحوال السياسية في خلافة علي مهيأة لانتقال الإمارة إلى خصمه اللدود معاوية بن ابي سفيان . وبهذه الطريقة أضحت الرئاسة بموجبها وراثية ، أي انقلبت الخلافة إلى ملك عضوض . فالخلافة الراشدة المبنية على الشورى لم تدم سوى ثلاثين سنة ، بدءاً بسنة 41هـ/ 661م ، حيث جرت تغييرات جوهرية عديدة كان من أهمها وضع قريش يدها على مقاليد السلطة والحكم إلى معاوية وولده يزيد ، واصطباغ الفرقة بالطابع الرسمي بين بني أمية وبنو هاشم. وهما أمران أديا في النهاية إلى زوال الخلافة الأموية ، وقيام الخلافة العباسية ، ممثلة باتباع محمد بن الحنفية جنباً إلى جنب مع الخلافة الفاطمية ، ممثلة بجعفر بن محمد الصادق . (42)
وهكذا شاع استعمال المصطلح الفقهي للخلافة والإمامة في مشارق الأرض ومغاربها ، منذ تاريخ تفكك الخلافة العباسية . يعود ذلك إلى عام 138هـ / 756م عندما أفلت الأمير عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش ) من المذبحة التي لحقت بأُسرته ، واستقر به المقام في أسبانيا (الأندلس)، حيث أقام هناك إمارة أموية منفصلة عن الخلافة العباسية . (43) على إثر ذلك ، تعددت الخلافات (المفرد خلافة ) في بغداد والقاهرة واستانبول وغيرها ، واختزلت الخلافة الإسلامية في مسميات عدة ، نذكر منها المسميات التالية:
- الخلافة الراشدة : خليفة رسول الله ، وصي النبي ، وأمير المؤمنين .
- الخلافة الأموية : الخليفة أو أمير المؤمنين .
- الخلافة العباسية : الخليفة السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون .. ألخ.
- الخلافة الفاطمية : الخليفة المهدي والقائم والمنصور والمعز والعزيز والحاكم بأمر الله .. ألخ .
- الخلافة العثمانية : الفاتح وخليفة المسلمين وخاقان البرين والبحرين وحامي الحرمين الشريفين.