كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
نورد هنا سلسلة من الاحاديث الشريفة كيفما اتفق دون الحاجة إلى تأكيد صحة إسانيدها من عدمه ، على النحو التالي :
- اللهم فاشهد فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاده ، وانصر من نصره واخذل من خذله . (64)
- لكل نبي وصي ووارث وان وصيي ووارثي علي بن أبي طالب . (65)
- علي مني بمنـزلة هارون من موسى ألا أنه لا بني بعدي . (66)
- الحق مع علي وعلي مع الحق لن يفترقا حتى يردا على الحوض . (67)
- أنا مدينة العلم وعلي بابها . (68)
- أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي . (69)
- أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني . (70)
- انت سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين . (71)
- إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.(72)
ومن يتأمل السياق الفقهي العام لمجمل الأحاديث يلمس بشكل غير ملتبس مغزى الحديث " تثبيت الإمامة في آل البيت " ، بمعزل عن الحديث القائل " الأئمة من قريش " . وفي ذلك اشارة واضحة إلى الانقلاب السياسي الذي حدث في سقيفة بني ساعدة ، والطريقة العنيفة التي تولى فيها الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم زمام السلطة ، وكيفية مغادرتهم لها بطريقة مأساوية، فيما عدا الخليفة الأول أبو بكر الصديق الذي قضى معظم خلافته في مقارعة المرتدين . ولما استقرت الإمارة في قريش - بعد عهد التحكيم - بفعل العصبية والغلبة ، لم يعد العمل بمبدأ الشورى تقليد متبع في مختلف عهود الخلافات الإسلامية ، حيث كان الخلفاء المغتصبين والسلاطين المستبدين غالباً ما يورثون الملك لابنائهم أو اخوانهم . ولم تكن طقوس البيعة سوى إجراءات شكلية يتدارسها فقهاء السلطان وحاشيته ، ممن يعرفون أنفسهم بجماعة " أهل الحل والعقد " ، وهم في واقع الأمر لا حل لهم ولا عقد .
وإذا كان معيار العصبية والغلبة قد أضحى بمرور الزمن هو التقليد السائد في سائر الممالك الإسلامية ، فإن شرط القرشية ظل من الناحية النظرية أمراً ملزماً لمن يتأهب لشغل منصب الإمامة ، أي الرئاسة . وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين المرسي ( ت 298هـ/ 911م ) واحداً من العلماء المجتهدين ، الذين أولوا عنايتهم الخاصة بمبدأ المفاضلة بين مرشحين لمنصب الإمام والتي لخصها لنا في صياغة إنشائية يعسر تطبيقها على أرض الواقع : "إن تشابها في العلم واختلفا في الورع فالإمامة لأورعهما ، وإن اشتبها في الورع والعلم فالإمامة لأزهدهما في الدنيا، وإن اشتبها في ذلك كله فالإمامة لأسخاهما، فإن اشتبها في ذلك فالإمامة لأرحمهما وأرأفهما بالرعية ، فإن اشتبها في ذلك كله فالإمامة لأجلهما وأحسنهما خلقاً ، فإن اشتبها في ذلك كله وفي غيرة من شروط بما ذكرنا من شروط الإمام، ولن يتماثل في ذلك كله اثنان ، ومع ذلك فلإبعاد الريـب وللاحتياط كانت الإمامة لأسنهما ، فإن استويا في السن فالإمامة لأحسنهما وجهاً !" (73)
أما المفكر الإسلامي المعاصر محمد رشد رضا ، فقد ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الإمام الهادي قبل عشرة قرون من الزمان . لقد خرج علينا رضا بفتوى شرعية ، هذا نصها : " اتفق محققو العلماء على انه لا يجوز أن يبايع بالخلافة إلا من كان مستجمعاً لما ذكروه من شرائطها وخاصة العادلة والكفاءة والقرشية ، فإذا تعذر وجود بعض الشرائط تدخل المسألة في حكم الضرورات ، والضرورات تقدر بقدرها ، فيكون الواجب حينئذ مبايعة من كان مستجمعاً لأكثر الشرائط من أهلها ، مع الاجتهاد والسعي لاستجماعها كلها . " (74) لكنه يعود ثانية ليميز بوضوح الفارق الكبير بين مصطلح ( خلافة الضرورة ) و ( خلافة التغلب ) ، بالقول : " والفرق بين هذه الخلافة [ التغلب ] وما بعدها بعد كون كلاً منهما جائزاً للضرورة أن الأولى صدرت عن أهل الحل والعقد باختيارهم لمن هو أمثل الفاقدين لبعض الشرائط ، وأما الثانية فصاحبها هو المعتدي على الخلافة بقوة العصبية لا باختيار أهل الحل والعقد . " (75) فكلاهما أمران أمّرين بالنسبة للرعية، الذين يتحتم عليهم طاعة السلطان ، ومن هنا تكون الطاعة لاولي الأمر إجبارية وليست إختيارية .
إن وجهة النظر التي اعتمدها رضا في تبرير خلافتي الضرورة والتغلب وترشيدهما طبقاً لمقتضيات الحاجة ، تشكل قاعدة إستثنائية تقر ضمناً بأهمية دور أهل الحل والعقد ، وهم بطبيعة الحال - الوجهاء والأعيان ، أي جماعة العلماء الذين نصبوا أنفسهم حرساً أُمناء على الشريعة تمشياً مع مفهوم الحسبة في الإسلام . (76) وقد أثبتت الوقائع والأحداث على أن هذه النخبة التقليدية (العلماء ومشايخ الطرق) ليس في مقدورهم مواكبة التحديات الخارجية والداخلية في العالم الإسلامي ، منذ قدوم الحملة الفرنسية على مصر والشام حتى تاريخ حرب الخليج الثانية واحتلال ثغور دار الإسلام . والمشكلة إذن هي معرفة الكيفية التي تمت فيها توظيف هذا السيل الهائل من الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة لاهداف دنيوية صرفة: قوامها العصبية + الغلبة = ملك عضوض .
ليست هناك طريقة لتفسير نجاح العثمانيـين في تثبيت الخلافة في سلالتهم في عامي 922-923هـ/ 1516-1517م ، سوى البحث مجدداً في مضمون تلك القاعدة الفقهية "عند الضرورة تباح المحظورات " ، لتحقيق شيىءٍ ما من المقاصد الشرعية كمسوغ لتلك التجاوزات السياسية ،التي تمس الحقوق الشرعية (الدستورية) للمواطن العادي في العالمين العربي والإسلامي. (77) ولا يجوز هنا أن نغفل عن إبعاد هذا النفي لخلافة الضرورة في نصب الإمام وإقامة السلطة . وعليه ، فالخلاف حول هذه المسألة ليس في نظرنا مجرد خلاف نظري حول صحة تنازل الخليفة المتوكل للسلطان سليم من عدمه ، وإنما هو توضيح الأسباب الموضوعية لانتقال السلطة من أيدي المماليك إلى أيدي العثمانيين بواسطة القوة . إذ لا يوجد فارق كبير - من وجهة نظرنا - بين دخول الحجاز واليمن سلماً ، أو بين دخول مصر وسوريا حرباً تحت السيادة العثمانية .