كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
والمعروف أن تبعية الحجاز والأراضي المقدسة للسلطنة المملوكية كانت قد رفعت من شأنها في نظر المسلمين ، نظراً لقيامها بحماية الأماكن المقدسة وضمانة أمن الحجيج . كما أن لقب "خادم الحرمين الشريفين" ، الذي اتخذه الظاهر بيبرس كما فعل صلاح الدين من قبله ، بعد تحريره لبيت المقدس ،كان ذلك النعت يرمز للنفوذ الديني والسطوة السياسية . يتضح ذلك في مضمون الخطاب السياسي الموجه من قبل سليمان القانوني لشريف مكة أبو نمي، الذي أبدى معارضته الضمنية لمفتي مكة الجديد عام هـ946/ 1539م ، فجاء خطاب السلطان مندداً به على هذا النحو : " أما بعد يا شريف فإن الحسنة في نفسها حسنة ومن بيت النبوة أحسن، والسيئة في نفسها سيئة ، ومن بيت النبوة أسوأ . قف عند حدك وإلا أغمدنا فيك سيف جدك." فأجابه أبو نمي قائلاً : " إن العبد مقر بذنبه ، تائب إلى ربه ، فإن تؤاخذه فيدك الأقوى، وإن تعف فالعفو أقرب إلى التقوى . " (78)
الإمامة العظمى بين الإستمرارية والإنقطاع
من هذا المنطلق جاءت معظم الأبحاث والدراسات حول الخلافة العثمانية متباينة ، وبالتالي أضحت نظرية الجامعة الإسلامية مثاراً للجدل والبحث الذي لا يؤدي عادة إلى نتيجة واضحة ترشد القارئ إلى صحة انتقال الخلافة من آل العباس إلى آل عثمان . فهناك من يرى أن الخليفة المتوكل على الله محمد بن المستمسك قد أفسح المجال للسلطان العثماني سليم الأول بعد أن تحقق له النصر على السلطنة المملوكية في موقعة الديوانية عام 923هـ / 1517م . (79) تلى ذلك مراسيم البيعة بالخلافة لصالح سليم ، الذي لبس شعار الخلافة في احتفال بهيج بالجامع الأزهر الشريف . (80)
وهناك من يشكك في صحة هذه البيعة - انتقال الخلافة - من جملة المؤرخين المصريين الذين عاصروا الحدث ، وفي مقدمتهم محمد بن إياس المعروف بتعاطفه الشديد مع السلطنة المملوكية ، وكراهيته المفرطة لمظاهر الحكم العثماني . فالسلطان سليم بالنسبة لابن إياس مجرد سلطان مغتصب للسلطنة والملك من أهله ، وأنه " قاتل أبطال مصر وميتم أطفالها ومستعبد رجالها . " (81) وهذا القول المأثور لا يخلو من المصداقية ، حيث تعرضت مصر المحروسة وقاهرة المعز لمذابح دموية راح ضحيتها حوالي خمسة وعشرين ألف مملوك من المدافعين عن المدينة بعد مقتل السلطان قتصوة الغوري في موقعة مرج دابق . (82) ومثلما تعرض الغوري للغدر والخيانة لقي نائبه طومان بك نفس المصير بعد وقوعه في الأسر ، حيث أمر سليم بشنقه وتعليق جثته في باب زويلة ، "وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام .. ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة .. " (83)
ومهما يكن أمر انتقال الخلافة من بغداد إلى القاهرة ، ومن ثم إلى استانبول ، فهذه الحادثة - في حد ذاتها - لم تود إلى زوال الخلافة وانقطاعها ، كما يزعم الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في عجائب آثاره وتراجم اخباره . ولو صح أن السلطان سليم تكنى بالخليفة ، بل وخادم الحرمين الشريفين ، وهو لقب درج على استخدامه السلاطين المماليك من قبله تأكيداً منهم للسيادة المصرية على بلاد الحجاز ليس إلا . وقد أضاف السلطان سليم الأول إلى أسمه مسميات فضفاضة ، فهو كما تذكر المصادر اطلق على نفسه ألقاب عدة منها: السلطان ابن السلطان ، وخاقان البرين والبحرين ، وقاهر الحبشيين وسلطان العراقيين .(84) ولم ينازعه هذا الحق سوى دولتين: الأولى الدولة السعودية الثالثة التي حمل ملكها لقب خادم الحرمين الشريفين، والثانية الدولة الصفوية التي حملت بالمقابل مبدأ الإمامة الشيعي .(85) وهذا هو حال معظم الملوك والرؤساء العرب المعاصرين ، الذين لا يتورعون عن إضفاء ألقاب منمنة إلى أسماءهم ، وهي كنايات لا تنسجم تماماً مع واقع الحال البائس الذي تمر به الأُمة .
نخلص من هذا كله إلى أن الخليفة المتوكل كان من ضمن المستقبلين للسلطان سليم أثناء غزوه لمصر ، وكان من ضمن العلماء والصناع الذين اصطحبهم حفيد عثمان إلى عاصمة ملكه . وسوى تنازل المتوكل لسليم أم لم يتنازل ، فمن الجائز أن ابن إياس الذي دوَّن لنا التفاصيل المثيرة لسقوط السلطنة المملوكية ، لم يترك شاردة أو واردة تتعلق باحوال مصر في بداية العهد العثماني إلا وعلق عليها . ومع ذلك كله لم يشر البتة في حولياته إلى الكيفية التي انتقلت بها الخلافة من المماليك إلى العثمانيين . ويعلق الباحث حسن عثمان علي على هذه المسألة ، بقوله: "وما أكثر ما يسكت الانسان عن ذكر ما يكره". (86)
منذ تاريخ سقوط مصر في أيدي العثمانيين اقتصر حكمهم على القاهرة ودمشق وبغداد كما أعطوا عنايتهم الخاصة بالمحامل الثلاثة إلى الكعبة المشرفة في موسم الحج والتي كانت تقع عملياً تحت إشراف ونفوذ مؤسسة الشرافة في مكة المكرمة . ودام الحال على ما هو عليه حتى عهد السلطان محمود الثاني ، الذي عاصر بدوره الحركة السلفية التوحيدية بزعامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي ، حيث أجمل صاحب الدعوة برنامجه الاصلاحي في عبارات مقتضبة ذات دلالات عميقة ، وفيها يقول: "أنا لم آت بجهالة .. ولست ادعو إلى منصب ، بل ادعو إلى الله وحده وإلى سنة نبيه .. وطريقتنا هي طريقة أهل السلف ، ومذهبنا في الاصول مذهب أهل السنة والجماعة وفي الفروع مذهب الإمام أحمد بن حنبل". (87) في هذا المنظور لا يمكن الرجوع إلى طريقة أهل السلف إلا بحجة تساعد امراء آل سعود على رفض الاعتراف بشرعية الخلافة العثمانية، كونها سلطة طارئة تزول بزوال مسبباتها .