كتاب " إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر " ، تأليف د. عبد العزيز قائد المسعودي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

إشكالية الفكر الزيدي في اليمن المعاصر
أما الفريق الثاني ، فكان يرى أن الخلافة نتيجة للصراعات والمشادات العنيفة في سقيفة بني ساعدة قد آلت إلى بني أمية ، بحد السيف . وهكذا اتخذت الخلافة مجرى معاكساً لمفهوم الشورى في الإسلام . فمن الصحابة من أمتنع عن تقديم البيعة لابي بكر ( سعد بن عبادة ) فقتل في عهد عمر ، ومنهم من تصدى لها بالحجة الدامغة . فلما انتهت إلى علي أنباء السقيفة ، قال: ما قالت الانصار ؟
قالوا : قالت منا أمير ومنكم أمير .
قال : فهل احتججتم عليهم بوصية الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟
قالوا : وما في هذا من الحجة عليهم ؟
فقال : بلى لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم . فماذا قالت قريش .
قالوا : قالت نحن شجرة الرسول عليه الصلاة والسلام .
قال : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة . (17)
ومثلما نشب الخلاف بين المهاجرين والأنصار ، ألتبس الأمر أيضاً على الفقهاء والمؤرخين ، الذين ذهبوا مذاهب شتى في تحديد ماهية الخلافة واستحقاقها ، مما حفز بعضهم إلى إفراد أبواباً وفصولاً مستقلة في مصنفاتهم . فالشهرستاني في دائرة معارفه المختصرة للأديان والمذاهب والفرق ، يردد مثل هذه المقولة الفقهية: "ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة " . (18) ونفس الكلام ، يتكرر طرحه في أدبيات الشيعة الإمامية: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " . (19) وبالمثل غدت رؤية فقهاء الجمهور للخلافة الراشدة مثالية مقدسة باعتبارها امتداداً لعصر النبوة . لكن التشيع لمذهب آل البيت لم يعد ظاهرة سياسية فحسب ، بل عقيدة ومبدأ ، تحديداً منذ إغتصاب يزيد بن معاوية الخلافة على إثر مقتل الإمام الحسين بن علي في كربلاء . (20)
لقد تطورت قضيت الخلافة الراشدة ، أو الإمامة العظمى من مجرد خلاف عارض نشب بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة ، إلى نـزاع طال أمده بين شيعة الإمام علي ومعارضيه من الصحابة . فمنهم من شكك في شرعية خلافة الشيخين وعثمان رضوان الله عليهم، ومنهم من تمسك بإمامة أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، نظراً لعلمه وورعه وقرابته من بيت النبوة . (21) وعليه ، يذهب شيعة علي إلى القول إن أبا بكر وعمر تباطأ في تنفيذ تعاليم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيام معدودة في تسيير بعثة أسامة بن زيد ، حتى لا يخلو الجو لابن أبي طالب في دار الهجرة.(22) في الوقت نفسه كان الإمام علي قد تردد كثيراً في تقديم البيعة للشيخين لاعتقاده أنه كان أولى بالأمر منهم . (23)
أما الرواية الأُخرى القائلة بأن الخليفة الراشد عمر كان قد منع القلم والدواء عن الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام لحظة إحتضاره ، فلا غبار عليها . يذكر حبر الأُمة عبد الله بن عباس أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال : " إئتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً . فقال الخطاب : " أن الرسول يهجر ، وقال : حسبنا كتاب الله " . (24) وقد فهم الانصار قول عمر " وقد دفت دافة منكم يريدون أن يختزلونا من أصلنا . ومعنى ذلك أن كلاً من المهاجرين والأنصار كان يدرك أن الطرف الآخر يريد أن يختزله ويصفيه .. وكانت وفاة النبي مناسبة أسفر فيها كل عن رأيه ، وكان ذلك على وجه التحديد بسبب الإمارة ، أي الرياسة الدينوية " . (25)
كان من المفترض أن يتفق المهاجرين والانصار على وجوب تنصيب إماماً على رأس الدولة الوليدة في المدينة المنورة. فما هي الأسباب المؤدية إلى نشوب ذلك الخلاف العميق فيما بينهم ، واستمراريته بتلك الحدة العصبية المنافية لتعاليم الشورى في الإسلام؟ فالصراع بطبيعة الحال، كان له ضحايا وقرابين، نخص بالذكر منهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين (عمر وعثمان وعلي) رضوان الله عليهم؛ فضلاً عن أولئك الصحابة من حفظة القرآن الكريم، الذين سقطوا صرعى في محراب الإمامة في موقعة الجمل وصفين والنهروان وغيرها. وما موقف محققوا العلماء من مثل هذه الظاهرة التاريخية الماثلة للعيان، أعني بذلك مؤسسة الخلافة التي استبدلت اليوم بالإمامة العظمى، طبقاً لصيغة ولاية الفقيه الذي ينوب عن الإمام المهدي في زمن الغيبة الكبرى، كما يتبين ذلك في تجربة جمهورية إيران الإسلامية؟ (26)
إن مسمى الخلافة كمصطلح ديني ورد ذكرها في القرآن والحديث النبوي (السنة) ، أكثر من مرة ، قبل أن يطرأ على المصطلح ذاته ( إماماً ) ، و ( أمير مؤمنيين ) و(سلطان) في النصوص الفقهية والمصادر الإسلامية الأُخرى بمعناه القرآني الأصلي ، تغييراً عميقاً في العصرين - الوسيط والحديث . (27) فالغايات والمقاصد من وراء تعميم هذا الاصطلاح لمفهوم (الخلافة الراشدة) ، جاء منسجماً تماماً مع النص القرآني {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}(28) فالخلفاء الراشدون كما تجمع المصادر هم جماعة تلي الأمر بعد الرسول عليه الصلاة والسلام ، بحسب التسلسل التاريخي : ابو بكر وعمر وعثمان وعلي . فتاريخياً لم يكن اسم الخليفة متداولاً في عصر الرسول عليه الصلاة والسلام بمعناه الاصطلاحي إلا في شخص الإمام علي . وكان ابو بكر قد سمى نفسه "خليفة رسول الله وكتب بذلك إلى الأطراف " (29) وبالمثل اطلق عمر على نفسه " خليفة خليفة رسول الله ، فعدلوا عن تلك العبارة لطولها " . (30)