كتاب " أشياء لا تموت " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب أشياء لا تموت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أشياء لا تموت
مقدمة
عن هذه القصص وغيرها
بقلم الدكتور علي سعد
لست أدري إن كان محمد عيتاني قد أحسن الاختيار، عندما طلب مني أن أقدم لمجموعته القصصية هذه:
فلعله كان الأجدر به أن يتوجه بهذا الطلب إلى من هو أكثر مني متابعة لتطور الحياة الأدبية، وأكثر التصاقاً بالأحداث والتيارات التي تفعل في هذا التطور.
وبعد، فما حاجة المؤلف، أي مؤلف، إلى مقدمة للأثر الذي يسلمه للقُراء. فهناك من يعتقد أنه عندما ينفض المؤلف يده من أثره، ويصبح ملكاً للقارئ، لا يعود في وسع أي قول يلقيه الآخرون، أن يغير شيئاً من طبيعة العلاقة، علاقة التعاطف أو التنافر، التي تنعقد بين المؤلف وقُرائه.
وقد يكون وراء طلب المقدمة، من قِبل المؤلف، سعي لتخفيف صدمة اللقاء مع جمهرة القُراء وتبديد لوحشة النزول إلى الحلبة التي تتخطف فيها المؤلف الأعين والحواس والنفوس. وقد يفسر البعض رغبة الكاتب في مقدمة لعمله، بمحاولة خفية من المؤلف لإشراك امرىءٍ آخر في المغامرة التي ينطلق فيها عندما يتوجه إلى القراء بأثره وللاقتسام معه المصير الواحد الذي ينتظر هذا الأثر.
ويبدو لي، في حال صحة هذا الحساب، في قضيتنا هنا، أن من بين الدوافع التي حدت بمحمد عيتاني لاختياري رفيقاً له في هذه المغامرة، على بعد الشقة التي فتحتها الأيام بيننا في السنوات العشر الماضية، في المشاغل والهموم والمفاهيم، وفي الإطار الجغرافي والمهني الذي نتقلب فيه، حدوث تلاقي دربينا في مطلع حياتنا الأدبية، عندما كنا عضوين في أسرة أدبية واحدة، هي «أسرة الجبل الملهم».
وليس بعيداً أن تكون الهواجس المشتركة التي كانت تشغل مخيلاتنـا وتستحـوذ علـى نبض أفئدتنـا حينـذاك المنطلـق لبعض الاتجاهات والقسمات المميزة لجانب من قصص هذه المجموعة.
وأشير بصورة خاصة، هنا، إلى القصص التي وضعها المؤلف عن مختلف وجوه الحياة في مجتمع رأس بيروت القديم قبل أن تطيحه التغيّرات العميقة التي حملها إليه زحف المدنية الجديدة. فإن المؤلف قد حقق بكتابته هذه القصص إحدى أمنيات أسرتنا في أن نتمكن يوماً ما من كتابة حكاية التحولات الهائلة والتبدلات المزلزلة التي عصفت بمجتمعنا، وبأناسه، بعاداتهم وقِيمهم ومباهجهم وأمنياتهم المتواضعة أو البالغة الطموح.
ولم أتمالك نفسي عند قراءة المشاهد المضحكة التي سجلها محمد عيتاني في بعض قصص مجموعته هنا، عن الانجراف مع مد الحنين، والتأثر، ذاكراً جلساتنا التي كان يتنافس فيها مع زميل له من رأس بيروت (أبعدته المشاغل كما أبعدتني عن العمل الأدبي) في رواية الحكايات «النوادر عن البسطاء من أهل هذا الحي»، بلهجة رأس بيروت المحلية الممتعة.
ولعل صفة الوفاء للماضي هي أبرز صفات محمد عيتاني، في مجموعته القصصية هذه. وقد ينكر هذه الحقيقة بعض الذين لا يعرفون من محمد عيتاني غير سطحه المزروع أحياناً بأشواك مسنونة من لواذع الكلم. فأنا لا أعرف كثيرين يحافظون، مثلما يحافظ محمد عيتاني، على هذا الخط الطويل الواحد في نظرته إلى الدنيا وعلى صداقته العميقة للأشياء وللوجوه التي زرعت في دروب عمره، وخصوصاً تلك التي طافت بأيام طفولته وشبابه. وقليلون هم الذين يندفعون مثلما يندفع محمد عيتاني في منافحته عن الأفكار والمفاهيم التي يتعلق بها وفي دفاعه عما يحب وعمن يحب وفي منازلته لكل ما يحسبه خطراً على الواقع الذي أحبه أو على العالم الذي يشتهي أن يقوم وفقاً لمفاهيمه.
ولست أمنع نفسي من الذهاب إلى حد الاعتقاد أن عنف اللهجة الساخرة وضراوة اللسعة المدمرة، التي يحسن قصَّاصنا تصويبها بين الفينة والفينة، ليسا إلا نوعاً من السلاح الواقي الذي يستخدمه صاحبنا دفاعاً عن الأجواء والذكريات الحبيبة إلى نفسه التي يود لها البقاء والاستمرار في عالم يتغيّر أكثر مما يتصور.