كتاب " النظام السياسي في تركيا " ، تأليف د أحمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام السياسي في تركيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام السياسي في تركيا
فضلاً عن الضغوط الخارجية على الدولة العثمانية، كانت هناك الاسباب الداخلية والتي اسهمت على تنفيذ عهد التنظيمات، وتتركز هذه الاسباب حول دور الطبقة المثقفة لترجمة الافكار الغربية في داخل الدولة العثمانية، وفي هذا المجال تقول خالدة أديب:( ان صراع الغرب والشرق يعود بالدرجة الاولى الى حقبة(1774ـ1876)، ان الغرب دخل الى الدولة العثمانية عن طريق الفكر،ونتيجة لذلك فقد تغيرت المؤسسات، ولكنها سايرت روح التقليد القديم، حيث ان حقوق الانسان التي اكدها الغرب تماشت مع الافكار الاسلامية )(41).
الى جانب عهد الاصلاحات، كان هناك سلاطين اهتموا بايجاد مدارس حديثة، وكليات ومعاهد عليا، ويكفي في هذا المجال، ان نتحدث وبشيء من الايجاز عن التعليم على عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
كان للسلطان عبد الحميد الثاني منهجه الخاص في تبني مفهوم المدنية، فهو لا يريد من الغرب الحضارة التي تساوي الثقافة والتراث، لانه كان يعتقد ان للشرق الحضارة التي تقوم على الشريعة الاسلامية وهي متكاملة تفوق على الحضارة الغربية.وكان يؤمن ايضاً الاستفادة من الغرب في مجال العلوم الحديثـة وبصورة تدريجية(42).
ونتيجة لهذه المفاهيم، ازدادت عدد المدارس منذ وصول عبد الحميد الى الحكم الى عشرة اضعاف ما كانت عليه، حيث وصل عددها الى 000ر200 مدرسة. ومع ذلك فان عبد الحميد كان يعتقد ان هذه المدارس لا تفي بالغرض المطلوب، وعليه فقد اكد فتح مدارس اعدادية بغية تهيئةالطلاب الى مراحل جديدة من التعليم(43).
فضلاً عن ذلك، فان عبد الحميد استفاد من الغرب في شتى المجالات التي رأى انها بحاجة الى خبرة اجنبية، ونتيجة لذلك فقد أسس كلية العلوم والآداب والحقوق(مكتب حقوق شاهانة) كما اوجد كلية العلوم السياسية(مكتب ملكية شاهانة) واكاديمية الفنون الجميلة (مكتب شاهانة صنايع نفسية)(44).
الى جانب اهتمام عبد الحميد الثاني بالتعليم، فانه اولى عناية مركزة الى تقديم الخدمات الادارية للدولة العثمانية، فقد اقام مؤسسة حديثة للمياه وغرفاً للصناعة والزراعة والتجارة وتأسيس البلديات وبناء الغواصة، واوجد خطوط البرق وادارة البريد ومد السكك الحديد، وادخال الترامواياك(45).
وقد قوّم السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته السياسية عهد الاصلاحات قائلاً:( اذا اردنا ان نتبنى بعض الاصلاحات، فعلينا ان نأخذ في الحسبان الظروف السائدة في البلاد، والا نقيس الاوضاع على اساس المستوى الفكري بحفنة قليلة من الموظفين. ويجب ان يكون في الحسبان شكوك طبقة العلماء في كل ما هو اوربي. انهم يمزقون الاوامر فور تلقيها وان كانت اوامر سلطانية. اني على يقين من صحة تصرفاتي في تلمس الظروف المواتية قبل اتخاذ أية خطوة في تنفيذ الاصلاحات، والتقدم البطيء في هذا المجال.وستأتي الاجيال القادمة بعدنا، فتأخذ الجانب الحسن من الحضارة الغربية فتصقله بمفاهيم شرقية وتصنع منهما حضارة جديدة متكاملة)(46).
ويردف عبد الحميد قائلاً:( والاوربيون يتوهمون ان السبيل الوحيد في الخلاص هو الاخذ بحضارتهم جملة وتفصيلا. مع ان اكثر رجال العلم يعترفون في ان الثقافة العثمانية الاسلامية جديرة بالهيمنة، كالثقافة الغربية على اقل تقدير، ولا شك ان طراز التطور عندنا هو غير ما عند الاوربيين. علينا ان نتطور تحت ظروف طبيعية ومن تلقاء انفسنا، وان نستفيد من الظروف الخارجية في حالات خاصة، من الظلم الفادح ان نتهم بمعاداة كل شيء جديد يأتي من الغرب. يجب الا ننسى ان في التأني السلامة والنجاة، وفي العجلة الندامة)(47).
يتضح مما تقدم، ان هناك مجموعة من الخصائص تميزت بها الدولة العثمانية في عصر التنظيمات، بالامكان ايجازها في النقاط الآتية:
1. وضع قيود على الصلاحيات المعطاة للولاة في الولايات التابعة للدولة العثمانية، عن طريق تركيز السلطة بيد السلطان،وكان هذا يعني اعطاء صفة الموظف للوالي في الدولة العثمانية.
2. تقنين مجموعة من الانظمة والقوانين في الدولة العثمانية، كانت الغاية منها تنظيم الجهاز الاداري والاقتصادي والقضائي للدولة.
3. قامت الدولة العثمانية الاستدانة من الدول الغربية، وكان من نتيجة ذلك ظهور مشكلة الدائنين والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية، وايجاد مجلس الدين، الذي قام بتوزيع الديون بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى على الممتلكات العثمانية التابعة لها(48).
4. تأثرت الدولة العثمانية في هذه الحقبة بمعالم الفكر الغربي، وكان هذا التأثير واضحاً في الجوانب الثقافية والسياسية والاجتماعية، فقد اخذ المواطن العثماني ترجمة الحياة الغربية في جميع صورها، كان من نتائج ذلك الصراع الذي احتدم بين المتجددين والمحافظين وقيام انقلاب نيسان 1909 ضد السلطان عبد الحميد الثاني، وتحديد سلطة العلماء في عملية صنع القرار على مستوى السلوك السياسي الداخلي، كل هذا يعني بروز دور السلطة المدنية واضمحلال دور سلطة العلماء في هذه الحقبة، فقد برزت الى الوجود مجموعة من الاحزاب الليبرالية بعد خلع السلطان عبد الحميد، وهي تطالب بتبني العلمانية والتقرب من المدنية الغربية.
وقد انعكست هذه الظروف جميعاً على قادة حرب الاناضول بعد الحرب العالمية الاولى، ولاسيما ان قسماً من هؤلاء كانوا اعضاء في جمعية الاتحاد والترقي، وقد ترجموا فيما بعد الحياة السياسية الغربية في تركيا في العشرينات من هذا القرن.

