كتاب " النظام السياسي في تركيا " ، تأليف د أحمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام السياسي في تركيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام السياسي في تركيا
وقبل اجتماع مجلس( المبعوثان) تم اعتقال مدحت باشا وارساله الى الخارج(80) وتم في الوقت نفسه حل البرلمان وذلك في عام 1877(81). ويعزى السبب في اعتقال مدحت باشا الى تذمره من الحرب الروسية والصعوبات الداخلية التي واجهتها الدولة العثمانية في تلك الحقبة(82).
ولا بد تكون هناك اسباب عديدة لتعليق دستور عام 1876، بالامكان ايجازها في الآتي:
1. كان هناك مناوئون للدستور في داخل الدولة العثمانية( العلماء والمحافظون والسلطان)(83)، والاخير نفسه لم يكن ليؤمن به عندما وافق على اعلان الدستور(84) اراد في الحقيقة تحقيق بعض الاهداف على المستويين الداخلي والخارجي، اذ ارتأى اسكات المعارضة السياسية في الداخل والحصول على تأييد الدول الاوربية له في الخارج(85). والسلطان نفسه الذي لم يكن مستعداً بالرغم من بعض اتصالاته مع جماعة (الاتحاد والترقي) قبل اعتلائه العرش، التنازل عن سلطته الشخصية. كان السلطان قد سلم بالدستور لكن بضغط من الدول، ولما خف الضغط شعر بقدرته التخلص منه. وهكذا فعندما تمادت المعارضة من جرائها، واخذت تسمي الوزراء الذين لم تثق بهم باسمائهم وتطالب بمحاكمة الوزراء وكبار القواد الذين اثبتوا عجزهم في اثناء الحرب الاخيرة مع روسيا، حل مجلس( المبعوثان) لاجل غير مسمى، وعلق الدستور(86).
2. ان المادة 113 من دستور 1876، كانت قد اكدت خدمة الصدر الاعظم للسلطان، وقد ادت ذلك الى وقوع خلافات بين الصدر الاعظم والسلطان(87).
3. كانت هناك اتجاهات في داخل الحكومة العثمانية وقصر ييلدز ضد مدحت باشا وقد تبنى هذه الاتجاهات ضياء باشا ونامق كمال(88) واسماعيل كمال وآخرون. ان ردود فعل السلطان من تنظيمات الشبان العثمانيين قد دفع عبد الحميد الى ان يعطي الاوامر لمدحت باشا بمعاقبة هؤلاء وبصورة خاصة نامق كمال وضياء باشا، واخراجهما من القسطنطينية الى مكان آخر، الا ان مدحت باشا رفض ذلك، أما بالنسبة لضياء باشا فقد تم تعيينه سفيراً في برلين وبأمر من عبد الحميد، علماً ان هذا التعيين كان يدخل في اختصاص مدحت باشا. وفي هذا المجال فقد بعث مدحت برسالة الى كجوك سعيد باشا السكرتير الاول لعبد الحميد اكد فيها تدخل السلطان في شؤونه وصلاحياته(89).
4. ان مرحلة وجود مدحت باشا في الحكم كصدر اعظم كانت مرحلة قصيرة، ولم تكن تتجاوز شهراً واحداً وسبعة عشر يوماً(90).
5. ان الثورة التي نشبت في بوسنة Herzegovina التي قادت الى الحرب مع صربيا و Montenegro، وخلع سلطانين في هذه الحقبة في آن واحد، ومذبحة بلغاريا ومذكرة Andrassy ومذكرات برلين ومؤتمر قسطنطينية والحرب الروسية التركية عام 1877، كل ذلك قد اسهمفي تعليق دستور عام 1876(91).
6. اشيعت في هذه المرحلة من قبل الدوائر الغربية دعاية مفادها: ان روسيا القيصرية كانت تحاول عرقلة الجهود في الدولة العثمانية بغية ايقاف المحاولات الاصلاحية كي تبقى الدولة في حالة ضعف(92).
ومن وجهة نظر كتّاب الغرب يعدّ دستور عام 1876 حادثاً مهماً، إذ نقل هذا الدستور وبصورة نظرية الدولة العثمانية من الحكم الاوتوقراطي الى حكم الملكية الدستورية(93)، إذ انه ولاول مرة بعد ستمائة سنة من وجود الدولة العثمانية يصبح السلطان العثماني اقل صلاحية من الناحية الدستورية، ويشبه Robert Devereux هذه الحالة بالوضع السياسي للولايات المتحدة بعد اعلان الاستقلال فيها(94).
ولكن من ناحية أخرى اعلن عبد الحميد في الصحف ان سبب عزله لمدحت باشا يرجع مباشرة الى ان الاخير حاول قلب نظام الحكم في الدولة، واقامة حكومة جمهورية يقوم هو على رأسها. وانه عثر على اوراق تثبت تآمره، كما اتهم بالخيانة وسياسة التقرب من الانكليز وبيع البلاد لهم(95).
وقد صدر العفو العام عن مدحت باشا في عام 1878، إذ أختير الحاكم الاول لمقاطعات الروميلي ودمشق وسوريا، وعندما كان مدحت باشا حاكماً في Smyrna استدعي من قبل قصر ييلدز، ووجهت له تهمة قتل السلطان عبد العزيز(96) إذ تشكلت محكمة بهذا الخصوص، واصدرت حكمها باعدام مدحت باشا وثمانية آخرين(97).
وقد كان هناك رد فعل في اوربا،وعليه منذ ان قابل اللورد دوفرين في القسطنطينية عبد الحميد اكثر من مرة، ونصحه بالاقلاع عن تنفيذ حكم الاعدام في مدحت باشا والغائه، وافهمه النتائج الوخيمة التي ستلحق بسمعة دولته من الخارج ثم اجتمع سفراء الدول عند الكونت كورتي سفير بريطانيا وقرروا العمل على انقاذ المحكومين باتباع كل الطرق الدبلوماسية(98).

