كتاب " النظام السياسي في تركيا " ، تأليف د أحمد نوري النعيمي ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب النظام السياسي في تركيا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النظام السياسي في تركيا
المبحث الثاني:دستور عام 1876
شهدت تركيا العثمانية حوادث متعددة منذ بداية حزيران الى اواخر كانون الاول 1876 لفهم التجربة الدستورية الاولى في التاريخ الاسلامي، حيث لم يوجد في أي قطر اسلامي اعداد دستور مكتوب، ويجب ان نؤكد في هذا المجال انه عندما وضع الدستور العثماني لم يكن في اوربا دستور مدون، إذ ان اوربا كانت حديثة العهد في السياسة، حتى لو حاولنا ان نرجع الى دساتير بعض البلدان الاوربية في تلك الحقبة رأينا ان دساتيرها كانت بعيدة عن المفاهيم الصحيحة. وتجدر الاشارة في هذا المجال الى ان الدولة الكبيرة المنافسة للعثمانيين كانت روسيا القيصرية لم يكن لها دستور أو برلمان في هذا المجال(49).
ان دستور عام 1876 جاء نتيجة للضغوط السياسية الدولية، وقد وصلت هذه الضغوط الى قمتها في المدة الواقعة بين 1876ـ1878، وسميت سنوات هذه الازمات بالمسألة الشرقية وفي حقيقة الامر، ان صراع الدول الاوربية وروسيا كان هو السبب الرئيس في قرار فشلالاصلاحات في الدولة العثمانية(50) وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت روسيا القيصرية كدولة منافسة للعثمانيين ولاسيما اذا عرفنا ان غالبية الشعوب المسيحية التي وقعت تحت الحكم العثماني كانت من السلاف ومسحيي الارثوذكس أو كليهما، وفي هذا المجال استخدمت روسيا القيصرية الدين في دعايتها ودبلوماسيتها في مرحلة التجربة الدستورية في تركيا العثمانية عاملاً قوياً لتقوية الموقف الروسي من ذلك، بينما نرى ان الدبلوماسية الغربية ساندت الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية قبل وبعد حرب القرم(51).
ان الافكار الليبرالية والدستورية جاءت ايضاً كما رأينا في الصفحات السابقة نتيجة من نتائج المعارضة السياسية في السياسة الداخلية العثمانية. وقد جاءت هذه الافكار من قبل الشبان العثمانيين الذين اكدوا الاستقلال الاقتصادي والسياسي للدولة العثمانية وابعادها من التدخل الاجنبي. وقد اعتقد الشبان العثمانيون بان ذلك سيتم عن طريق الثورة الدستورية ضد الاوتقراطية وتحت حكم ممثلي الشعب(52).
وتحـت ضغـط الهجـوم الروسـي علـى الدولـة العثمانيـة، وتأثيـر الدبلوماسيــــــة الغربيـة ولاسيمـا عـن طريـق هنـري ايلـيوت
Henry Elliot السفيـر البريطانـي فـي القسطنطينية. ومجموعـة مـن السياسييـن الاتـراك وعلــى رأسهـم مدحــت باشــا(53)،دخلــت المنـاقشات الدسـتورية الـى حيــز الوجـود كـأداة استـخدمــت ضـــد مـطاليـــب روسـيـــا القيصرية(54).
والحق، ان المحاولات الدستورية في الدولة العثمانية ترجع الى بداية عام 1875، لان مدحت باشا حاول ايجاد نظام برلماني يقوم على دستور مكتوب، وعندما بدأت الحكومة العثمانية القيام بالاصلاحات في نهاية عام 1875 وكان مدحت باشا وزيراً للعدل، حيث حاول ان يدوندستوراً في هذا الشأن(55) ولتعزيز هذا الرأي يقول سير هنري ايليوت:( ان مدحت باشا اخبرني بنيته في ايجاد دستور)، حيث قال لي:( ان الامبراطورية على وشك الانهيار، وعلى هذا الاساس وجب على ان افكر بهذا الدستور بغية انقاذ الامبراطورية من الدمار والانهيار)(56). ويؤكد لنا سير هنري ايليوت:( ان المؤتمر الذي عقد في استانبول لمناقشة الدستور قد اخفق، وان الحركة الدستورية في الدولة العثمانية ترجع الى بداية عام 1875م(57).
وقد استطاع مدحت باشا دعوة البرلمان الى الانعقاد عندما قبل مراد باشا الخامس(58)مناقشة النظام الدستوري المقترح، حيث قـدم مدحت بـاشـا مسـودة الدستـور(59) التي قامت اساساً على مشروع نامق كمال(60).

