أنت هنا

قراءة كتاب مواطنون من جنسية قيد الدرس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مواطنون من جنسية قيد الدرس

مواطنون من جنسية قيد الدرس

كتاب " مواطنون من جنسية قيد الدرس " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وخُيِّل إليّ أنني ألمح في غبش المساء زوجتي فاطمة تسير في البعيد، وحول عنقها عقد من أزهار البرتقال والتفاح، تجر بيدها طفلاً صغيراً وتنحني عليه برفق.

* * *

حين بدأت أزور بعض مخاتير القُرى لأقدم طلباً لاستعادة هويتي، كانوا يستعيذون من الشيطان الرجيم حين يرونني ويقدمون لي جميع الوثائق التي تثبت لي أنني ميت. ومرة صفعت أحدهم بقوة، لأثبت له العكس، فأطلق عليّ كلابه وزلمه، وأصبح من تقاليد بعض مخاتير تلك القُرى أن يطلقوا الكلاب عند استقبالي ووداعي لتنهش ما بقي لي سليماً من لحمي وعظمي في رحلاتي هذه الكثيرة.

قابلت قائمقام المنطقة. أمامه على مكتبه مدقة عرق مع كامل مازتها. عن يمينه سكرتيرته الحسناء تقشِّر له الفستق الحلبي وتزقه به، ووراءه رئيس دائرة إنماء الجنوب يقدم للقائمقام ملاعق التبولة، ولا أنكر، كان الرجل ظريفاً مرحاً، فقد قربني إليه وقال لي هامساً: نصيحة لوجه اللَّه، بلا تذكرة بلا بلوط. على الأقل أنت الآن معفى من الضرائب... ثم إن المسألة ليست بهذه السهولة. عندنا ألوف الأسماء. وأصبح من الصعب بعد الحوادث الأخيرة أن نعرف الموتى من الأحياء. ومع ذلك اكتب لي عرضحال مع التمغة اللازمة وائتني به في وقت لا أكون فيه مشغولاً. وتكرم عينك.

* * *

كاتب العرضحالات في عيون المرج رجل عجوز، يجلس وراء طاولة في جانب الساحة. اقتربت منه. شخص ليست له أسنان معينة طربوشه عتيق مطعّج كدرج البرلمان، بذلته قديمة يصعب تحديد لونها. الرجل يجلس وراء طاولة مخلعة تهتز مترنحة كشروال فلاح يغربل على مهل. وحسب الأدوات التي رأيتها على طاولته ورفوفه ووراء ظهره، كان يمكن أن يعرف المرء بأن مسعود أفندي كاتب العرضحالات كان أيضاً، بالإضافة إلى وظيفته هذه، حلاقاً وبيطاراً ومقتلع أسنان، وصانع حجابات للحب والقبول، والحبل بإذن اللَّه تعالى. وحين رآني متجهاً نحوه في خط مستقيم صفق بيديه فحضر على الفور فنجان قهوة عثملية. البلدة حولنا صاخبة في نشاط الأصيل: أهلاً وسهلاً شو المطلوب؟ قلت عرضحال. قال تكرم خذ مني أفصح عرضحال في العالم بأسره. فضلاً عن أنني أعرف جميع أسرار البلاغة. أنا أعمل سن للصاد، وقواعد الهمزة ربها، والحرف فارسي وكوفي ورقعي. والخط برنجي، والإنشا يحنن قلب الصخر. في هذه الأثناء كان قد خرج من بين يدي الرجل وساقيه فلاح كبير الجسم جداً اقتلع له مسعود أفندي ضرساً خرباً، بكماشة حديدية سوداء كبيرة أشبه بالبهبهانة، وقال مسعود أفندي له: انتهى كل شيء الآن، ولكن لا تضع في فمك ماء ساخناً لمدة ساعتين أو ثلاث ـ وماذا أتعشى يا دكتور؟ قال له كاتب العرضحالات: خدلك كم برشامة قريشة! مسعود أفندي تحول إليّ أمر. شو القصة. وتناول قلم ستيلو ضخماً، لا بدَّ أنه يمكن أن يكون عرضة للمصادرة عند حواجز قوى الأمن. وبدأ يكتب الديباجة المعتادة «جناب حضرة...» قلت للرجل: أرجوك سوف أملي عليك أنا ما أريد قوله وتكتب أنت إن سمحت. إستاء الرجل ولا شك. لكن الشغل شغل. فنظر نحوي وقال منبهاً: بس ليك! الصفحة بليرة يا عم، قلت له: ـ ليرة وحبة مسك. وبدأت أملي على الرجل:

الصفحات