كتاب " مواطنون من جنسية قيد الدرس " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مواطنون من جنسية قيد الدرس
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مواطنون من جنسية قيد الدرس
ـ طيب. عاخاطرك. قرب إلى هنا قليلاً لأحكي لك قصتي. هذه المغارة اسمها مغارة «البحصاص». ولماذا مغارة «البحصاص» لأن هذه المغارة كبيرة، يساوي حجمها اتساع ثلاث غرف أو أربع غرف واسعة. ويا سبحان اللَّه على مائها الصافي الأصفى من البلور! وانظر إلى سقفها فكأنه سقف كنيسـ... لجماله أنا لا أحب الكنا... شو بدنا بها القصة... كل مين على دينه اللَّه يعينه... واللَّه الكنائس جميلة يا ابن خالتي... دخلت مرة إلى كنيسة السيدة قرب الكلية... كنت أقصد الشماس جرجي لأسلمه رطل السمك لمعلمه الخوري، الأب نقولا... شفت قدامي واقفي في أعلى الحائط امرأة يا سبحان الخالق... لعلها كانت مريم العدرا... أو عروس من قريباتها... وأعجبتني تلك المرأة الجميلة حتى أخذت عقلي كله.. بحياتي لم يبرم رأسي كتلك الساعة. ولا أدري كيف سمعت نفسي أقول لها:
ـ يسلم لي هالوش الحلو. يسلم لي هاالكسم اللي متل كسم الملكة فايزة...
وعلى الفور سمعت ورائي صرخة هائلة: وله! يا زنديق!
ـ دخلت ورأيت الست الجميلة تجاهي واقفة فوق حائط الكنيسة في الصدر. كانت تحني رأسها قليلاً وهي تضم ـ هنيئاً له ـ ولداً حقيراً بين يديها. كانت في أعلى الحائط. يا سبحان الخلاّق. لم أتمالك نفسي فهتفت قائلاً لها:
ـ يسلم لي هالـ... حسن تبعك... يسلم هـ... الـ..
وفوجئت بصفعة كف قوية جداً تنهال على رقبتي من خلف رطلاً بل مئة رطل. «ولك! زعبرجي!» استدرت متأهباً لرد الضربة خمس ضربات فرأيت خوري الرعية محمر العينين من الغضب تتراقص لحيته كجناح طائر عالق بالدبق.
قال لي الخوري ـ لماذا ترتكب فعل الرزالة مع العدرا؟.
ـ أي فعل رزالة... هذه سيدة جميلة وأنا ألقي عليها السلام.
ـ صرخ الخوري نقولا: سلام بعينك..
ثم مالت لهجته إلى المسالمة حين عرفني:
ـ قل لها يا سيدة يا أم اللَّه اشفيني من أوجاعي وارزقيني واهديني إلى طريق السماء..
قلت لأبونا ـ من أي شيء سوف تشفيني أم اللَّه أستغفر اللَّه العظيم. صحتي متل الحديد ولبطتي بتهد الحائط.. المهم.. خرجت من الكنيسة صاغاً سليماً والحمد للَّه.
كانت لدي رغبة شديدة في أن أمد يدي للمحترم لكنني قلت في نفسي: يا صبي إذا فعلتها سيأتيك على الفور جميع رعايا الخوري نقولا: من بيت ربيز والبخعازي والغرزوزي، والمجدلاني وعبده وبيت إلى آخره... فتذهب خـ... سمك.. فدعها كما هي.
الآن نعود إلى المغارة. هذه مغارة «البحصاص». أتراها. لماذا سموها مغارة البحصاص. إنها كبيرة واسعة الجوف كما قلت لك... وكل أرضها بحص... وحين يتدفق إليها الموج مهما كان خفيفاً أصدر صوتاً عجيباً: «كرر.. ر.. ر.. ر.. ر... كرررررررر! بق بق كر.» هذا كل البحص تبعها يعمل هكذا «كررررر.... كررر كررر. بق بق شطرم». هكذا تقريباً، أنا يا ابن خالتي مش مغارة تا أعمل متل صوتها بالضبط. ومن جهتي هذه المغارة كأنها بيتي. إنها مثل أختي وأفهم عليها وتفهم علي. هذه المغارة ملكي أنا وحدي. الآن هي مملكتي أصطاد فيها أيام النوء، وأستحم فيها كل يوم مساء. وعند صيدي للسمك الأحمر ألتقط السلاطعين منها، وفوق في آخرها أقبض على السلاطعين الرملية وهي الأكلة المفضلة لسمك الزليق والحفش والاشترب والعرّيس الكبير (البخفرايات).. هنا عشت وهنا سأموت...
ـ بعد عمر طويل إن شاء اللَّه.
ـ يرحم أمواتك يا ابن خالتي.
قال الصياد أبو عمر: ولكن في ليلة من الليالي رحت «أفت» العجين الممزوج بجيزان القز لكي يتجمع سمك المنوري الأبيض، لأصطاده. حددت لك نوع «المنوري» حتى لا تضيع عن الموضوع فأنت شخص متعلم يعني ـ ولا مؤاخذة ـ لا تعرف شيئاً في مسائل السمك والبحر... إنك تعرف: «عرج... درج... أكل.. شرب» فكيف «عرج» يا أستاذ وكيف «درج» بعد ذلك يا ابن خالتي. أما هكذا وأما هكذا. يعرج أو يدرج. يأكل أم يشرب. العجيب كيف أن أكثر أساتذة محلتنا عقولهم أقل من بقية مجانين المحلة...