أنت هنا

قراءة كتاب مواطنون من جنسية قيد الدرس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مواطنون من جنسية قيد الدرس

مواطنون من جنسية قيد الدرس

كتاب " مواطنون من جنسية قيد الدرس " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

نساء في ضوء القمر

بعد صلاة الصبح بقليل، والدنيا تغشاها دغشة السحر، كان صياد السمك أبو عمر، مستعداً تماماً لبدء الصيد.

وابن خالة أمي أبو عمر معروف بأنه يصطاد خصوصاً السمك الأبيض، وهذا السمك مشهور في سواحلنا برأس بيروت بأنه «بندوق» و«ملقط» وماكر جداً، حساس كثيراً، ويسبب عذاباً كبيراً للصيادين قبل أن يحصلوا على أوقية أو اثنتين منه، اللهم إلا الصيادين المعلمين في الكار.

وهذا السمك أكله (طعومته) شيء خاص أيضاً، وهو عادة لا يأكل إلا العجين الممزوج بقليل من «جيزان» دود القز. فإذا أكل شيئاً غيره يكون ذلك بالخطأ. ثم إنك لا تستطيع أن تريه خيالك فسرعان ما يختفي «بأرض بسما»، طبعاً هناك صيادون «قبضايات» كانوا يصطادون طول نهارهم رطلين أو ثلاثة أرطال، وهذا السمك كان وما يزال غالي الثمن. فالصياد المعلم الماهر يختبئ وراء صخرة أو منخفض، أو يجمد كأنه عمود المصيد ويصطاد، وهكذا يستطيع أن «يأخذ نصيبه وينال رزقه». كان رطل السمك الأبيض يساوي زهاء ليرة سورية. وأستطيع أن أؤكد، بالاستناد إلى شهادة الصياد أبو عمر الغالي نفسه، بأنه ما من صياد نشيط مات جوعاً يوماً. مؤكد أنه ما من صياد أيضاً استطاع أن يبني سوى مصيده وكوخه.

المصيد في سواحلنا معروف: فهو عبارة عن خيمة صغيرة، وتوتة عادية يقتلعها من أي بستان، والأفضل أن تكون يابسة حتى لا تحدث حرب أهلية في رأس بيروت، وها هي التوتة، أقصد جذعها الأسود الذي تحته الملح والبو فاس وكر الموج وحر الشمس طوال نهارات لا يحصيها عد، عارية سوداء مثل بنت عمة أبي «أم سليم العبدة»، غسالة خندق ديبو. وأحياناً يكون للصيادين الميسورين خيمة بعيدة بعض الشيء عن «فقش» الموج، وبالتالي عن توتة المصيد، وهي مزروعة هناك ليتمسك بها الصياد عند هبوب الموج وجنونه. وأحياناً كان البحر يأخذ معه عند رجوعه الغاضب عن الشاطئ الصخري الصياد والتوتة والسلة والعب والقصبة وشتائم قريبي أبو عمر أو غيره من صيادي السمك، من أصحاب النصيب في ذلك الصباح. وكان البحر لا يعيد من المجموعة التي اختطفها سوى عرقية الصياد وأحياناً سلته أما الباقي فيترك أمر تدبيره إما لعزرائيل عليه السلام وإما لأصحاب النفوس الكريمة بحارة سواحلنا.

كان أكثر الصيادين في سواحلنا من «التحويلة» (آخر غربي كورنيش المنارة) حتى ميلة الدالية (الطرف الجنوبي من ساحل بيروت ـ هذه كانت مملكة صيادينا في تلك الأيام ـ على ما تروي سلفة عمتي الحاجة «أمون»، وهي صادقة أستطيع أن أحلف باللَّه العظيم وهو غفور رحيم، فهي لم يعرف عنها سوى الكذبات التي تبينت بعد ذلك بزمن طويل وكانت قد فنيت عظامها رحمها اللَّه. أما طوال حياتها فلم يعرف عنها سوى الصدق الصراح. كانت شأن جميع أهل رأس بيروت صادقة بشكل عجيب، وكل من يقول عن أهل محلتنا ولا سيما عن صيادي البر منهم أنهم كذابون أو بخلاء أو سخفاء أو تيوس يكون ـ واسمحوا لي بها ـ يكون من «أهل المدينة» وفي محلتنا كانوا يسمون كل من هم من خارج رأس بيروت «أهل المدينة» كما أن الغجر (النور) ـ بعيد الشبه ـ يسمون كل من هو غير نوري «فلاحاً» هكذا للَّه باللَّه إلخ إلخ..

المهم.. صاحبنا صياد السمك العم أبو عمر كان جالساً على صخرته بعد صلاة الصبح بقليل يصطاد السمك الأبيض. وكما قلنا، فهذا السمك حساس جداً، ابن حرام تماماً، يعني صعب اصطياده وهو يظل يدور عادة مدة حول الطعم يلاعبه والصنارة إلى أن «غب ب ب!» يأكل الطعم... ويفر... وهذا شيء معروف. لكن أهل محلتنا رأس بيروت لا يقف في طريقهم شيء، كما يقول الحاج أبو محمد المبيض، وهو يعتبر أحد رواة المحلة «المكرنبين» القدامى. وحين «ضاق خلق» جماعتنا، وهكذا شمر المخترعون عندنا عن أيديهم وأرجلهم واخترعوا للأسماك البيضاء العصية: الشبك، وزوارق الجاروفة، بل وهناك رواية لأبي سليم بأن الديناميت نفسه قد اخترعه أهل محلتنا قبل أن يعرفه الكفار... المهم... ويؤكد هذه الرواية سنكري المحلة «هجوم» الأحول، صحيح أننا ندخل قصة في قصة ـ والآن القصاص نفسه م.ع. يتكلم ـ لكنني، يا سبحان اللَّه هكذا سمعت قصص أهل محلتي وهكذا أريد أن أرويها. أقول إن السنكري هجوم شخص أعمص عيناه دشش، وفي محلة رأس بيروت العلوى يقولون عيناه «شاش باش» ويمكنك القول إن جميع أهل رأس بيروت إما عميان إما عمصان وإما ميوبيون 10ـ9، ربما باستثناء خمسة أو ستة أشخاص من القادمين إلينا من «المدينة» كالورديانية والبواليص والكومسيارية والنشالين إلخ..

الصفحات