أنت هنا

قراءة كتاب مواطنون من جنسية قيد الدرس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مواطنون من جنسية قيد الدرس

مواطنون من جنسية قيد الدرس

كتاب " مواطنون من جنسية قيد الدرس " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

لكن هؤلاء سرعان ما كان ينتهي بهم الأمر أخيراً إلى الانعماص أو الانعماء بعيداً عنكم. إما بسبب كثرة سيرهم بين التين السوادي ويهب عليهم الغبار، أو بسبب أكلهم التين مجاناً صيفاً، أو لأن روح المحلة، يا سبحان اللَّه، يكره نور الشمس والبصر ويعشق نور البصيرة واللَّه يهدي بنوره من يشاء. فكان أولاد الحكومة أولئك إذا أصيبوا بالعمى أو العمص يسرحون من وظائفهم فيشتغلون مشايخ تربة أو نشالين إن كانوا من بيروت الغربية أو قشاشي كراسي أو نشالين، إن كانوا من بيروت الشرقية ولم يتمكن أحدهم من أن يصبح أبا العلاء المعري الثاني لحكمة ربانية...

المهم يجب أن لا نضيع عن عمنا الصياد أبو عمر. كان جالساً ـ قلنا ـ على صخرة والبحر يهدر بهدوء أمامه. الموج رائق. والجو صاف. والنجوم تملأ السماء بعيونها المضيئة في كل مكان من ملكوت اللَّه السماوي، يا سبحان اللَّه. وكان أبو عمر ينتظر أول بزوغ الشمس. وعادة لا يخرج في الليل سوى الأسماك السوداء الكبيرة المفترسة كالحفش وغيره. أما السمك الأبيض، كالمنوري والسرغوس والغبش وغيرها، فهي لا تبدأ تلمع قرب سطح الموج الخفيف إلا قبيل شروق الشمس وربما استمرت في نزهاتها الماكرة الخبيثة حتى غروب الشمس.

نعم كان أبو عمر ينتظر شروق الشمس. لأن السرغوس والمنوري كان عادة يدخل عميقاً في ثقوب الباطوس (والباطوس عندنا هو حافة الساحل البحري المكون من صخور)، وهذه الثقوب السفلية هي عادة مأوى الزرنبايات (حيات الماء المالح الحمراء الطويلة) ويلجأ إلى تلك «البخاويش» السمك الأبيض ضيفاً موقتاً فحتى حيات الماء عندنا واسعة الصدر كريمة الضيافة...

أبو عمر ينتظر أول طلوع الشمس وخروج السرغوس ورفاقه وجماعته. وكيفما تكلمت فلن أروي قصة أبو عمر كما يرويها هو، فهو يحكيها «على حباتها».

ـ أي عمي أبو عمر. ماذا حدث معك بالضبط في تلك الليلة؟ احكي لي. لم أجئ لأصطاد بقدر ما جئت لأتسلى معك. رأيتك حين بدأت بروايتها تضحك، ثم يتغيّر لونك، تصفر، وتحمر إلخ. فما هي قصتك؟ قل لي الحقيقة.

نظر إليّ فترة ثم سألني بصوته الأجش العريض كهدير موجة:

ـ عندك للسر مطرح يا ابن خالتي؟

ـ بير غميق.

ـ يا ابن عمتي. كنت في ذلك الصباح الباكر جداً جالساً على هذه الصخرة ذاتها أصطاد السمك الأبيض: البوري، السرغوس، والمنوري، والقبس، والرفيدي، وأبو منقار، وغيره وغيره وكيف أستطيع أن أعدد لك مئة نوع ونوع من جميع أنواع السمك الأبيض التي خلقها اللَّه سبحانه وتعالى ثم استلمها الشيطان مدة ليدربها على الملعنة.. المهم أنني كنت جالساً أصطاد كعادتي يوماً بعد يوم حين يكون البحر صالحاً للصيد، فأختبئ كالعادة وراء جدار مغارة صغيرة أو صخرة أو منخفض أو أجمد في وقوفي. ولم يكن يتجاسر أي ولد أو كلب أو غيره يمر بقربي، كبيراً كان أو صغيراً، لأنني كنت أطفش الجميع. أريد أن آكل أنا وأولادي. ونقود السمك الأبيض مباركة. كنت «أهشل» الكبار والصغار، الذين يتخايلون لسمكاتي، بحيث يصبح المكان «ساحا ناحا» لي وحدي ولقصبتي وسلتي (الجربندية). وفي مهاجمتي للناس الفضوليين كنت أطاردهم بالدبش والحجارة سواء كانوا من المحلة أو من سواها لم يكن غريباً في تلك الأيام. كان «القبضاي» حقاً في تلك الأيام هو الذي يعيش بكرامته وسائر الناس أتباع له يخشون شره.

وكان أحدنا إذا سمع كلمة لا تعجبه ناوله خصمه لطمة تلقي به أرضاً أو بحراً. حتى إخواننا جماعة محلة الكلية (أهل الذمة).. كان أحدنا إذا رأى أحدهم في شارع مسلم يصرخ به «أيسر!» أي سر إلى اليسار. فسرعان ما يأخذ يساره تاركاً اليمين لأهل اليمين. وحتى إذا شافوا شيخ تربة أعمى لا يعجبهم صوته أو رفع سعر المقرية عند موت جد لهم أو عم، والشيخ الأعمى يسير شتاءً قرب قناة الماء يهدر فيها سيل أحمر عكر من مياه المطر الممزوجة بالرمل والسبب الأساسي كان حين لا يعجب صوت الأستاذ بعض أهل المحلة الذي أفسدهم صوت الشيخ محمد رفعت وعبد الفتاح الشعشاعي ملك المقرئين في تلك الأيام، يصيح به ولد بإيعاز من رجل:

الصفحات