أنت هنا

قراءة كتاب في حداثة النص الشعري

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في حداثة النص الشعري

في حداثة النص الشعري

يعالج هذا الكتاب موضوع الحداثة في النص الشعري عبر خمسة فصول، تطرق فيها المؤلف لحداثة النص المتمثلة بحداثة الرؤيا، وكذلك إلى الشاعر الحديث ورموزه الشخصية، إضافة إلى حدود البيت وفضاء التدوير، ومن ثم تناول المؤلف الشعر خارج النظم وداخل اللغة، ليتوقف في الفصل ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
ولا أظنني أبالغ حين أشير إلى أن جهود الشعراء الرواد، في مجال التحديث الشعري، كان من الممكن أن تظل ناقصة أو جزئية، أو أن تصل على أقل تقدير، إلى نهاية ليست أفضل، كثيراً، من نهاية حركات التجديد التي سبقتها. غير أن ما جنّبها النهاية ذاتها أن جهداً واضحاً قد بذل من بعض الرواد، لا لتحديث القصيدة العربية وحدها، بل لتحديث الشاعر والقصيدة معاً؛ أي السعي إلى تأسيس رؤيا شعرية تشمل، في فاعليتها الشاعر، والنص، والعالم.
 
لا بد من القول، هنا، إن حداثة المفهوم، أو حداثة الرؤيا، قد تأخرت نسبياً عن تحديث النموذج الشعري، وقد كان لهذا الأمر أثره الواضح على حيوية الحركة الشعرية، في بداياتها، وتشابه الكثير من نماذجها الشعرية.
 
إن الاندفاعة الحقيقية، لحداثة الشعر العربي، لم تبدأ بداية جادة، إلا بعد أن بدأ، هناك، سعي صادق لبلورة مفهوم جديد للشعر، في صلته بالعالم والحياة؛ أي بعد أن أخذ بعض الشعراء العرب يحاولون، في ما يكتبون من شعر ونثر، إنضاج رؤى خاصة بهم.
 
لقد لعبت مجلة (الآداب) دوراً مهماً في احتضان القصيدة العربية، فنياً وفكرياً، منذ اندفاعتها الأولى. وظلت، باستمرار، منبراً بارزاً لتيار أساسي فيها، يسعى إلى استثمار الحرية العروضية من جهة، وتمتين صلة القصيدة الجديدة بواقع الأمة وتراثها القومي من جهة أخرى.
 
ورغم ما يمكن أن يثار في وجهها من اعتراضات كثيرة، فقد كان لشعراء مجلة (شعر) (2) ونقادها، أدونيس خصوصاً، دور بارز في التأكيد على حداثة القصيدة، لا باعتباره انعطافة شكلية، بل باعتبارها مفهوماً جديداً ورؤيا، والانتقال بحركة الحداثة إلى أفق جديد.
 
لم يكن هذا الأفق يتمثل، بالنسبة للشاعر العربي، في تحطيم الأسيجة الخارجية للقصيدة العربية، بل في الاندفاع إلى داخلها بوعي وضراوة، لتحرير غرفها وممراتها الداخلية، وتعريضها لهواء أنظف، وسماء أكثر اتساعاً.
 
كان ذلك المسعى تجسيداً لتجربة « ثقافية حضارية، تغير فيها مفهوم الشعر نفسه، ومفهوم الكتابة الشعرية »(3) ومن خلال هذا الربط بين تحرير المفهوم الشعري من جهة وتحرير النموذج من جهة ثانية، بلغت حداثة القصيدة العربية مرحلة أرقى؛ هي مرحلة البحث عن الرؤيا، التي تربط بين « التحول الشكلي وبين الدعوة إلى توجه مفهومي جديد، كان يتجاوز، أحياناً، الشعر ليبلغ جماع الموقف الثقافي والأنطلوجي بوجه عام »(4).
 
وفي سياق الكلام عن حداثة الرؤيا، في القصيدة العربية، لا يمكن إغفال الجهد الفني والتنظيري الذي بذله شعراء الستينات العراقيون، الذين تجمعوا حول مجلة (الكلمة) (5) فلقد أسهموا، بجدية ومغامرة واضحتين، في المسعى المبذول لتحديث القصيدة العربية، والتحول من مستوى التغير الشكلي، إلى مستوى التحديث في الرؤيا والمفهوم.
 
ومع أن هؤلاء الشعراء قد أفادوا، إلى حدّ واضح، من مجمل الجهد التنظيري والإبداعي لبعض شعراء مجلة (شعر) ونقادها، إلا أنهم حاولوا، وبوعي(6)، تجنب المناطق التي كانت تشكل، في أحيان كثيرة، مواطن الاعتراض، أيديولوجياً، على مجلة شعر، وطروحات البعض من شعرائها.
 
الشعر بين الرؤية والرؤيا:
 
ما زلنا نجد، حتى الآن، نقاداً يبذلون جهوداً واضحة للتمييز بن كلمتي (رؤيا) و (رؤية)، إحساساً منهم بخطورة هذه المصطلحين وضرورة التفريق بينهما، ولولا ذلك لما تطلب الأمر كل هذه المشقة كما أظن.
 
لقد بات واضحاً، الآن، أن الشعر حين يجتذب إلى ناره المدهشة أجزاء من عالم الشاعر، أو تفاصيل من خبرته الشخصية، فإنه يحقق ذلك، لا بفعل المراقبة، أو الملامسة، أو النظرة البرانية، بل يفعل لذلك بالحدس، وقوة الحلم، وطاقة الشعر؛ تلك الطاقة الفياضة الخالقة التي تتجاوز سطح المرئيات وكياناتها الحسيّة، لتنغمر وإياها في عملية خلق بارعة شديدة الرهبة والجمال.
 
إن الشعر، حين يحكم صلته بالعالم الحسي، على هذا المستوى، أي مستوى الحلم والسحر والحنين، فهو يستوعب أجزاء هذا العالم ويحتضنها بقوة الشهوة، والجنون، والرؤيا، حين ينصهر الحسي والمجرد، الحلم والوقع، المستقبل والذكرى، في مزيد واحد متلاحم.
 
صلة الشعر بالعالم المحيط، إذن، ليست صلة نثرية، عاقلة، منطقية، بل صلة الحلم والرؤيا والتوحد، صلة الدهشة والافتتان اللذين يعصفان بالقلب والروح، ويمنحان فكرة القصيدة كياناً حسياً، مؤثراً ويضفيان على فوضى الأشياء اليومية ورتابتها المضجرة نعمة التجانس، ونشوة البكارة الأولى.

الصفحات