أنت هنا

قراءة كتاب علماء النهضة الأوروبية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علماء النهضة الأوروبية

علماء النهضة الأوروبية

كتاب " علماء النهضة الأوروبية " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

عمّق محمّد بن زكريا الرازي (ت 932)، الطبيب والفيلسوف المشهور، خروج الفكر الفلسفي عن الآيديولوجيا الرسمية الذي بدأه فيلسوف العرب الكندي؛ ففي نظرية الوجود عند الرازي: لا يُخلق شيء من لا شيء، فيوجب ذلك حدوث الطبائع من شيء قديم؛ القدماء الخمسة: الله والنفس والهيولى والمكان والزمن.

لقد كانت هذه الأفكار ثورية في ذلك العصر، ويمكن تخيل مدى الصدمة التي أحدثتها في أوروبا خلال العصور الوسطى.

جعل الرازي العقل سيد الموقف في كتابه "كتاب الطب الروحاني: في فضل العقل ومدحه". فما دام وهبنا الله العقل، فلا داعي لوساطة؛ وعليه، فإن القول بتبعية العقل لمرجعية ما هو إنكار لحكمة الله وعدله في توزيع العقل والحكمة بين الناس.

ألا يذكرنا ذلك بحركات الإصلاح الديني الأوروبية التي تزامنت مع صعود العلم الحديث في أوروبا؟ إذ رأت البروتستانتية أن وساطة الكنيسة بين الإنسان وخالقه لا ضرورة لها، فبما أن الله قد وهبنا العقل فإننا نستطيع الاتصال به مباشرة وعبادته من دون إشراف ووصاية من أحد.

بُعيد انطلاقة حروب الفرنج نهاية القرن الحادي عشر بدأت ترجمة الأوروبيين لمؤلفات الفلاسفة العرب والتراث اليوناني الذي حفظه العرب باللغة العربية وزادوا عليه، فقد بدأت في القرن الثاني عشر ترجمة موسوعة ابن سينا الفلسفية، كما ترجموا أعمال الفارابي والكندي وغيرهما (10). وهذا التزامن بين الحروب والترجمات ليس مجرد مصادفة.

ونتيجة لحروب الفرنج في الشرق تراكم رأس المال بشكل هائل في المدن الإيطالية، كمدينة البندقية، مثلاً، على حساب الأوروبيين الغربيين، كالفرنسيين والألمان، حيث تطور الأمر فيما بعد إلى صراع دامٍ بين المدن الإيطالية والفرنج القادمين من شمال غرب أوروبا. إذ تجلت الصراعات بين الفرنج والطليان وأيضاً بين المدن الإيطالية نفسها؛ من خلال حروب الفرنج مع أهل البندقية وبيزا في مدينة عكا، التي كانوا يتقاسمونها ويحتكرون التجارة فيها (11).

وما لبثت الصراعات أن امتدت لتشمل القتال المباشر بين المدن الإيطالية نفسها، إذ قامت معركة بحرية بين أهل جنوه وأهل البندقية في ميناء عكا، انهزم فيها أهل جنوه انهزاماً بالغ الشدة. واستمرت بعد ذلك أعمال القرصنة بين الطرفين حتى عام 1258.

كانت مدن إيطاليا، مثل البندقية وجنوه وفلورنسا وميلانو، مدناً مستقلة سياسياً واقتصادياً؛ ازدهرت فيها العلوم والآداب والفنون على أشكالها، ولذلك استطاعت أن تبني الحضارة الفنية والفكرية والعلمية لعصر النهضة الأوروبية.

وكانت التجارة مع الشرق العربي الإسلامي أعظم حجماً من تلك التي كانت تبرم مع الغرب الأوروبي، فقد كان عدد الصفقات التجارية آنذاك بين تجار البندقية وتجار الشرق في الإسكندرية أكبر من عدد الصفقات المبرمة مع عكا الفرنجية، مثلاً، بينما كان العدد مماثلاً تقريباً مع القسطنطينية (12).

كما شكلت العبودية مصدر دخل آخر للمدن الإيطالية، وبخاصة عبر استعباد الأطفال والشبان الذين قدموا إلى الأرض المقدسة، وبيعهم بمبالغ كبيرة في أسواق النخاسة؛ حيث كان يباع العبيد للسيد الذي يملك المال بغض النظر عن جنسيته أو مذهبه ودينه.

وبذلك تراكم رأس المال بصورة تدرجية في أيدي التجار الذين ازداد نفوذهم واشتدت سطوتهم وقوي نفوذهم السياسي في مدنهم المستقلة، فشرعوا من ثم في دعم الاكتشافات العلمية التي كانت ضرورية لبناء السفن المتطورة وآلة الحرب المدمرة؛ وذلك للحصول على مزيد من الثروة والسلطة، وبخاصة في ظل ظهور الممالك في أوروبا.

ظهرت الممالك الأوروبية إثر انحسار نفوذ البابوية نتيجة فشل الحملات في الشرق، الأمر الذي سمح للعلماء بالعمل بحرية في كنف ملوكهم، كما كان يفعل العلماء في بلاط بني العباس، وكما كان يعمل ابن طفيل وابن رشد في كنف أمير المؤمنين بقرطبة، في عصر دولة الموحدين. وربما ساهم ذلك بقوة في ازدهار الفلسفة والعلوم والفنون والآداب وغيرها. ولكن، ماذا كانت نتائج حروب الفرنج على العلاقات السياسية - الاجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية؟

كانت من نتائج حروب الفرنج في الشرق ثورة الفلاحين الإنجليز عام 1381؛ التي كانت بدورها نتيجة تمتع الفلاحين بحرية الحركة في الإقطاعيات الشرقية بعيداً عن حدود إقطاعياتهم، وذلك خلال حروب الفرنج وما بعدها. لقد تذوق الفلاحون متعة الحرية في الشرق، بالرغممن محدوديتها (13)، فانتفضوا عندما عادوا إلى بريطانيا دفاعاً عن بعض الحرية التي تمتعوا بها في الشرق، الأمر الذي فتح الباب أمام تعديلات سياسية كبيرة في إنجلترا؛ حصلت بموجبها الطبقات الإنجليزية المسحوقة على امتيازات لم تكن تحلم بها في السابق، وأسست بذلك للديمقراطية البريطانية الحديثة.

أما في فرنسا، فقد أسهمت الحملات الفرنجية المتتالية على الشرق في توطيد الحكم الملكي فيها، وفي زيادة الوعي الذاتي بالقومية الفرنسية، حال الممالك الأوروبية الأخرى. وقد نجم عن ذلك تحرير الفرنسيين لأرضهم، حيث كان الإنجليز يحتلون نحو ثلثي أراضي فرنسا منذ القرن الثاني عشر. وقد استمرت حروب الفرنج بين الفرنسيين والإنجليز لأكثر من مئة عام (1338 - 1453) بعد أن شرعوا في الانسحاب من الشرق العربي.

الصفحات