أنت هنا

قراءة كتاب علماء النهضة الأوروبية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علماء النهضة الأوروبية

علماء النهضة الأوروبية

كتاب " علماء النهضة الأوروبية " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

3 ـــ إرهاصات العلم الحديث في عصر النهضة الأوروبية

أ- روجر بيكون (Roger Bacon) (1214 - 1292): الفيلسوف الأوروبي العربي

فيلسوف إنجليزي ولد نحو مطلع القرن الثالث عشر لعائلة ميسورة الحال، درس في جامعة أكسفورد عندما كانت مؤسسة فتية، حيث تعلـّم هناك قواعد اللغة والبلاغة والمنطق والموسيقى وعلم الفلك والجغرافيا والهندسة والحساب.

تعلـّم هناك أيضاً أن كروية الأرض يمكن الاستدلال عليها من خلال خسوف القمر حيث تـُسقِط حواف الأرض الدائرية خيالها على القمر. وعَبر دراسة المنطق اكتشف أن العالم لامتناه، لأن وجود إله لامتناه يستدعي بالضرورة وجود عالم لا متناه مثله!

فمن أين أتى روجر بيكون بهذه الأفكار الجديدة التي تتعارض مع فكرة أرسطو في الكون المحدود التي كانت سائدة في تلك الفترة؟

عندما درس روجر بيكون الفلسفة في جامعة أكسفورد نحو عام 1233، انفتح على التراث الفلسفي الجديد الذي بدأ يصل آنذاك، إثر حروب الفرنج مع العرب منذ القرن الحادي عشر، سواء من جزيرة صقلية، أو قبل ذلك من إسبانيا منذ القرن الثامن الميلادي، ثم من بلاد الهلال الخصيب وشمال إفريقيا منذ نهاية القرن الحادي عشر.

كان العالم العربي آنذاك مكتبة عظيمة تضم التراث العالمي وإبداعات العصر الفريدة التي أنتجتها الحضارة العربية والإسلامية. ففي جامع الزيتونة وحده خلال القرن الثالث عشر احتوت المكتبة أكثر من مئة ألف كتاب. فكانت العيون الأوروبية الذكية المتعطشة للمعرفة تحدق باتجاه الشرق.

تعرّف الملاحون الأوروبيون من خلال هذا الاتصال مع الشرق العربي والإسلامي إلى الاسطرلاب العربي (25) ودخلت إلى أوروبا الأرقام العربية وعلم الجبر وكتب الطب وغيرها من العلوم النظرية والعملية، فضلاً عن التراث الإغريقي العظيم الذي حفظه العرب وشرحوه وزادوا عليه. فكان العلماء الأوروبيون عندما يشرعون في التعلم يبدأون بدراسة اللغة العربية وتعلمها للوصول إلى فهم أرسطو ومنطقه وفلسفته، وذلك قبل الانتقال إلى الرياضيات وغيرها من العلوم.

فعندما زار روجر بيكون فرنسا ليُدرِّس الفلسفة، بدعوة من باريس، استدعاه ذلك أن يتعلم اللغات العربية واليونانية والعبرية والإسبانية، فبوصول ترجمات العرب إلى أعمال الإغريق وشروحهم عليها، كان لزاماً عليه معرفة اللغة العربية لدراسة تاريخ الفلسفة وموضوعاتها المتنوعة.

وخلال بدايات القرن الثالث عشر، ترجم فيليب الطرابلسي كتاب "سر الأسرار" إلى اللاتينية، وهو كتاب عربي مشهور أوحى لروجر بيكون فكرة منهجه الذي استخدمه في سبر أغوار الطبيعية. والجدير ذكره أنه كانت هناك ترجمات عديدة لهذا الكتاب في شمال أفريقيا أيضاً (26)؛ وكانت متوافرة قبل ولادة روجر بيكون، وقبل المفكر الفرنسي الكونشي الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني عشر.

ومع نهاية القرن الثالث عشر كان روجر بيكون يستشرف إمكانات العلم في الاختراع والاكتشاف، فحدثنا عن الآلات الضخمة التي ستمخر عباب المحيطات وتغزو العالم، على نحو شبيه بأعمال ليوناردو دافنشي في إيطاليا، وعلى نحو قريب من أعمال فرانسيس بيكون اللاحقة في نهاية القرن السادس عشر وبعدها؛ إنها إرهاصات واضحة بأن العلم الأوروبي الناشئ، أو فلنقل الطموحات العلمية الناشئة، كانت تتطلع إلى فتح العالم وعولمته منذ ذلك الوقت.

كما سعى روجر بيكون لإعطاء مشروعية للعلم بإبراز أهميته لللاهوت، كما فعل فرانسيس بيكون أيضاً فيما بعد، وكما كان يحاول غاليليو أن يشرح للكنيسة بأنه قد حان الأوان كي يستمع اللاهوتيون إلى ما يقوله العلم قبل فوات الأوان.

لم يكمل روجر بيكون دراسة اللاهوت في الجامعة لاهتمامه بالفلسفة والعلم أكثر؛ وقد حُكم عليه نتيجة ذلك بالسجن في النهاية بتهمة أن تعاليمه مستحدثة وأنها خارجة على المألوف، فضلاً عن خطورة أفكاره الجديدة في الفلك وشراسة هجومه على لاهوتيي عصره.

الصفحات