أنت هنا

قراءة كتاب علماء النهضة الأوروبية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علماء النهضة الأوروبية

علماء النهضة الأوروبية

كتاب " علماء النهضة الأوروبية " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

إن ما ذكرناه هو دليل على أن الانطلاقة العلمية بدأت من المناطق المتاخمة للشرق حول البحر المتوسط (إيطاليا وإسبانيا وجنوب فرنسا) بحكم قربها من الحضارة العربية والإسلامية التي ظهرت في إسبانيا منذ القرن الثامن الميلادي وحول البحر الأبيض المتوسط، ثم انداحت صوب شمال أوروبا بصورة تدرجية.

وقد قمنا في كتابنا "العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة" بالرد على دعاوى بعض أعلام الأوروبيين التي تزعم أن المدارس الأوروبية (17)، ومنها مدرسة شارتر، كانت قد توصلت بقواها الذاتية إلى فلسفة طبيعية أخذت تنظر بمنهجية علمية متطورة إلى العالم، متجاوزة ما كان مألوفاً في العصر الوسيط؛ وبعضهم ينكر كذلك أن الثقافة الإغريقية وصلت إلى أوروبا من خلال الترجمات العربية، ويشيع أن ذلك لم يحصل إلا بعد المفكـّر الفرنسي الكونشي (Conches) بنصف قرن (18)، أي نحو نهاية القرن الثاني عشر.

لذا، يعتبر هذا التيار الأوروبي أنّ "المدرسة الأوروبية النقية" كانت ناضجة، ولم تكن بحاجة إلى مساعدة خارجية للهجوم على أرسطو وسحق الفيزياء الأرسطية لاحقاً، فهيّأ الكونشي لما سيقوم به برونو (Giordano Bruno) فيما بعد (19). وهذه نظرة تمركز أوروبي حول الذات ينبغي التصدي لها.

كما نرد على دعوى غولدشتاين (Thomas Goldstien) أن الدارسين الأوروبيين لم يدخلوا إسبانيا في جماعات منظمة إلا مع مطلع القرن الثاني عشر، بقولنا إن جيرارد الكريموني (Gerard of Cremona) ، على سبيل المثال، قام بترجمة أكثر من سبعين عملاً أدبياًعن العربية منذ وصوله إلى طليطلة عام 1160. ونرغب في تذكير غولدشاتين أنّ الأوروبيين بدأوا بالوصول إلى إسبانيا منذ نهاية القرن العاشر، كما يذكر هو نفسه (20)، ويضيف غولدشتاين أن بعض ترجمات الأعمال الطبية العربية قد وصلت إلى أقدم جامعة أوروبية في ساليرنو خلال القرن الحادي عشر (21)، ولكننا نعتقد أن ذلك قد حدث خلال القرن العاشر على أقل تقدير، وذلك استناداً إلى تاريخ العلوم الطبية في جامعة ساليرنو نفسها والمنشورة على موقعها الإلكتروني اليوم.

وبناء عليه، نعتقد أن مدرسة شارتر أيضاً، وغيرها من المراكز العلمية كانت على اتصال وثيق بالثقافة العربية الإسلامية قبل تأسيسها، كما نعتقد أن أهمية العرب لم تتوقف عند مجرد نقل العلوم الهيلينستية وثقافتها؛ إنما تجاوزتها إلى تكثيف المادة المترجمة وتبسيطها كي يسهل على القارئ استيعابها بسرعة؛ فضلاً عن أن العرب أضافوا شروحهم الخاصة، لا سيما في الطب والصيدلة والرياضيات والفلك والفيزياء وغيرها من العلوم، وبخاصة علم الهيئة والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية (22).

وإذا نظرنا إلى "الهيئة" الخارجية للعالِم الإيطالي توسكانيللي (Toscanelli) ، وهو العالِم الذي احترمه معاصروه كطبيب وفلكي وجغرافي، تُخبرنا عن فضل العرب على الأوروبيين؛ إذ كان توسكانيللي يضع العمامة العربية على رأسه اعترافاً بفضل العرب. وهو الذيوصلت خرائطه إلى ملك البرتغال ومن ثم إلى كريستوفر كولومبس، التي تمكن بواسطتها من إنجاز مشروعه العالمي الكبير في الاكتشاف (23).

فهل يمكننا القول إنّ العرب والمسلمين في نضالهم ضد الفرنج خلال "الحروب الصليبية" قد ساهموا في نمو الرأسمالية، وتراكم رأس المال في المدن التجارية الأوروبية، ومن ثم في اندياحها إلى عمق القارة الأوروبية حتى أطرافها الغربية، ومن ثم اندياحها عَبر المحيطات، لترتد إليهم على شكل إمبريالي همجي استقطابي التكوين، لم نعد نعرف كيف يمكننا أن ننفك من تبعيته، التي لا تسمح آليات استقطابه وهيمنته علينا، بحكم تركيبتها البنيوية، بأي شكل من أشكال التنمية في دول الجنوب، إلا إذا كانت تنمية في التخلـّـف (24)؟

الصفحات