أنت هنا

قراءة كتاب الدائرة المربعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدائرة المربعة

الدائرة المربعة

كتاب " الدائرة المربعة " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

لم يكن على حماس كبير للنزهة ولكنه أراد أن يبتعد عن جو الشقة الحميم، متذرعاً بضرورة التمشي بعد التعشي، وكأنه بذلك يبعد إلى أجل غير مسمى لحظة الاصطدام التي أحسها قريبة.

هل يتعين عليها أن تبذل جهوداً إضافية لإنقاذ العلاقة أم تدفع بها إلى الانفراط؟

ذات يوم كادت تنفرط.

لا تدري إذا كانت قد تعمدت ذلك أو أن الأمور سارت هكذا، بعفوية تامة.

* * *

ـ تذكر يوم كنت في برلين لزيارة والدتك خلال عطلة الشتاء الأخيرة؟

ـ أذكر، وماذا حصل في باريس أثناء غيابي عنها؟

ـ حصل أن التقيت بزميلك ساشا، مدرس اللغة الروسية، قلت لك أن وجهه يذكرني بوجه ابن جيراننا في البلد، مصطفى، الذي كان يُسمعني بعض الغزل أحياناً ولكنه لم يكن ليثير فضولي أبداً. أما ساشا فقد أثار رغبتي وراودته عن نفسه، لكنه تحفظ وامتنع بادىء الأمر بسبب صداقتكما. وبعد أن طمأنته بأن الأمر لن يسيىء إلى علاقتكما ولم يكن في نيتي أن أخبرك بذلك، تجاوب مع رغبتي وكان بيننا ما كان. وها أنذا أخبرك بما جرى ولا أستطيع أن أكتمك سراً عن نفسي، وكأني بك تراها في عريها كما ترى جسدي الآن.

كان إحساس روبير أقرب إلى المفاجأة منه إلى الغيرة، إذ لم يكن يتوقع انطلاق سميرة بهذه السرعة في مغامراتها الباريسية، ولكنه تمالك نفسه عن أي انفعال حتى لا تسيىء فهمه أو تتهمه بالغيرة. وحاول أن يهش لها ويبش وهو يتساءل إذا ما كان لديه أي إحساس بالغيرة. لكنه انساق وراء المزيد من الأسئلة عما جرى، وراح يتخيل المشهد وكأنه يرى فيلماً يعرف أبطاله ويأسف لغيابه عن ساحة التمثيل، وأخذه شوق غريب ولذيذ لم يألفه سابقاً تجاه صديقه ساشا. إذا ما كانت سميرة أعجبته فذوقه كذوقه وكأنه هو هو. وإذا ما أعجب سميرة ففيه شبه منه وكأنه هو هو. ما هذه النرجسية، أو المرآتية؟ فهو يكاد يرى نفسه في شخص ساشا بدلاً من أي شعور بالغيرة. بينما تحاول سميرة أن تتحاشى التفاصيل حرصاً منها على عدم إثارة غيرته، وفي الوقت نفسه تتمنى أن ترى في ردة فعله شيئاً من الغيرة لتسارع إلى إحاطته بعطفها ولتؤكد له أنها خرجت من هذه التجربة أكثر تعلقاً به، وأن ساشا لم ينجح أكثر منه في توصيلها إلى شاطىء الأمان.

ـ وكيف كان الأمر مع ساشا؟

ـ أرى أنك وقعت فريسة للغيرة.

ـ لا، ليست غيرة، مجرد حشرية.

سأل روبير بحشرية غير معهودة فيه، مما أربك سميرة في الرد فتريثت قبل أن تقول والحرج باد على محياها: «للوهلة الأولى أحسست برعشة أكبر مما اعتدت معك، ولكن سرعان ما استقر بنا الأمر عند سقف دون السقف المعهود بيننا».

وبدلاً من أن تأخذ روبير الغيرة حملته موجة عارِمة من الرغبة في تحسس جسد سميرة، وهو لا يدري أهذا هو أم هذا ساشا. فوجدها عائمة على بحر من الشهوة نفسها فراحا يسبحان في خضم واحد، ولكن كل على وتيرته وكما تجري به رياحه، وليس دائماً كما تشتهي سفن الآخر.

لم تصل إلى شاطىء أمانها عندما كان هو يستريح على شاطئه، وكظمت غيظها ردحاً من الزمن قبل أن تستأنف الحوار.

ـ هل تحبني حقاً؟

ـ وهل تريدين دليلاً غير الذي بيننا على حبي لك، على حبنا؟ وهل أسألك دليلاً على حبك لي غير حضورك الشخصي إلى جانبي الآن وهنا؟

ـ وحتى بعد أن عرفت أنني بحثت عن حاجتي على هامش علاقتنا؟

ـ ليست علاقتنا هي المقدس، بل الشخص الإنساني، شخصك هو المقدس، أنت أهم من العلاقة! ولا قيمة لأية علاقة، حسب رأيي، إلّا بمقدار ما تكون مصدر فرح وإغناء لكل من طرفي العلاقة. وإذا ما تحولت العلاقة إلى عائق أمام تفتّح شخصية هذا الطرف أو ذاك فلن تكون جديرة باسم علاقة حرة بل تكون تلك المؤسسة العقيمة القمعية التي هربنا منها ويهرب منها كل إنسان يحترم نفسه كما يحترم شريكه احتراماً كاملاً.

الصفحات