أنت هنا

قراءة كتاب الدائرة المربعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدائرة المربعة

الدائرة المربعة

كتاب " الدائرة المربعة " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

ـ ألا يعني كونك لا تغار أنك لا تحبني؟ يقولون في كتب الغرام إن الغيرة توأم الحب.

ـ بل يخطئون. إنما يخلطون ما بين الحب وشيء آخر أقرب إلى غريزة التملك منه إلى الحب، وكأن الشخص ملكية شخصية للآخر. في علاقة الملكية هذه سرعان ما ينقلب الذي كان اسمه حباً إلى نقيضه وتصل الكراهية إلى درجة إرادة الشر للآخر وإلى حد الجريمة المعروفة في كل المجتمعات باسم «جرائم الحب» أو «جرائم الشرف» والأصح تسميتها «جرائم ملكية الأشخاص».

ـ إذا كانت كل المجتمعات تعرف الغيرة، ألا يعني ذلك أنها شعور طبيعي وعمومي لدى كل البشر؟

ـ طبعاً إنها شعور طبيعي ومعروف لدى الكثير من الحيوانات البرية أيضاً، ولكن متى كانت الطبيعة هي المثال الأعلى للبشر وكل تاريخهم هو تاريخ صراع معها من أجل تطبيعها وتهذيبها وتثقيفها لجعلها أكثر إنسانية؟ فالغيرة أقرب إلى الغريزة منها إلى المشاعر الإنسانية النبيلة كالحب والاحترام المتبادل للشخص الإنساني بذاته وليس بمقدار ولائه وتبعيته لشخص آخر يكون بمثابة السيد له. ما زلنا لم نبتعد كثيراً عن الحالة الاجتماعية التي كانت فيها ملكية الأشخاص واقعاً قانونياً مؤلماً. أما اليوم فهي واقع نفسي مؤلم لكثيرين. إذا ما كنت أحبك فعلاً وأرى أنك سعيدة مع ساشا، أو مع فلان من الناس، فلا يسعني إلّا أن أفرح لك وله وأن تزداد صداقتي له حباً. ولو بقيت مع ساشا لكنت اعتقدت أنك تحبينه أكثر مما تحبينني. أما الآن وقد عدت إليّ فإنني أرى في هذه العودة دليلاً على حبك لي، ومن الطبيعي أن يكبر حبي لك فرحاً بهذا الحب وبهذه العودة.

ـ لا أظن أنني قادرة على معاملتك بالمثل، ولا أدري إذا ما كانت الغيرة فيّ ما زالت كما كانت يوم كنت طفلة وكنت أغار من أمي لأنها تحب أبي وحتى من أبي لأنه يحب أمي، أو هكذا كان يتراءى لي، عداك عن غيرتي من أخي الأصغر مني بخمس سنوات.

ـ المعاملة بالمثل مثال أعلى، مطلب يجب أن نسعى إلى تحقيقه، بل إنها شرط أساسي للعلاقة الحرة، ومن دونها تفقد العلاقة توازنها وتتحول إلى نفاق أو إلى سيطرة من جهة وتبعية من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين لا يمكن الحديث لا عن حرية ولا عن سعادة. ألا يمكن بناء السعادة على الحقيقة والحرية؟

ـ أرجو إلّا تختبرني في القريب العاجل، دعني أتمكن أكثر من هذه القناعة التي أقبلها نظرياً ولا أدري إذا ما كان التطبيق سيكون حليفي.

ـ أظن أن الغيرة هي واحدة من الأسباب الرئيسية لفساد العلاقة بين الرجل والمرأة. ذلك أن الشخص موضوع الغيرة، الرجل أو المرأة، يجد نفسه بمكانة الأشياء والأغراض المادية التي يملكها الآخر ويحرص على الاحتفاظ بها في حوزته، الأمر الذي يدفع الآخر دفعاً إلى الخلاص من هذه الشيئية التي تكاد تقتل فيه إنسانيته ويسعى إلى استعادة شخصيته وحريته كشخص، وكأن الآخر من حيث يدري أو لا يدري، بغيرته المبررة أو غير المبررة، يقضي على العلاقة الإنسانية بعد أن تكون قد تحولت إلى علاقة ملكية أقرب إلى العبودية منها إلى الحب.

فأين وجه الظلم إذا ما انسحب الطرف المغبون من علاقة لم يبق منها إلّا نقيض ما قامت عليه في الأصل؟

ـ ألا تظن أن انعدام الغيرة كلياً يعني اللامبالاة الخالصة تجاه الآخر؟

ـ انعدام الغيرة كلياً قد يعني اللامبالاة، أو بالأحرى اللامبالاة لا تؤدي إلى أية غيرة؛ طبعاً إنها الدرجة صفر في العلاقة، إذن لا حب ولا غيرة في اللامبالاة، ولكن بمجرد قيام العلاقة تبدأ المشاعر المتناقضة. في المراحل الأولى للعلاقة قد تأخذ الغيرة وجهاً إيجابياً بمعنى تعلق الواحد من طرفي العلاقة بالآخر والتخوف من أن ينفلت الآخر من العلاقة وبالتالي خسارته. وكأن المسألة مباراة أو منافسة والخوف من خسارة هذه المنافسة يدفع بالطرف الخائف إلى استخدام وسائل تتجاوز حدود المنافسة الشريفة وتتجاوز حدود اعتبار موضوع المنافسة بمثابة الشخص المعني الأول والأخير. وهذا التجاوز يلغي احترام الشخص الإنساني كقيمة مطلقة لا مجال لامتلاكها كما تمتلك أية قيمة مادية أخرى. في هذه المرحلة من العلاقة يأتي التغلب على مشاعر الغيرة بمثابة دليل على الاحترام المطلق للآخر كذات، مثل احترام الذات لذاتها. ولكن من يصل إلى هذا المستوى في العلاقة؟

ـ بل كيف الوصول إلى مثل هذه الدرجة في الاحترام المتبادل الذي يتجاوز الغيرة كلياً؟

ـ لا أدري. ربما التمرد على غريزة التملك، على الأقل تجاه الأشخاص، والعمل على تربية النفس على احترام الشخص الإنساني قبل أي شيء آخر. لا أرى سبيلاً آخر غير حب الذات والاستغراق في حب الذات لذاتها في الآخر كما في الذات. ولكن للأسف غالباً ما يحب المرء الآخرَ من أجل استخدامه حسب رغباته الشخصية ناسياً في أكثر الأحيان أن للآخر رغباته أيضاً. وهنا نصل إلى ضرورة اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل من دون أي تنازل أو تساهل.

ـ أنا موافقة! ولكن! تبقى هذه الـ... ولكن!

ـ إذن تعالي أقدمك لصديقتي الجديدة!

الصفحات