أنت هنا
قراءة كتاب الأب والابن والروح التائهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
"التبّان وصاحبه في خدمة شيخنا وأبونا"...
بعد هذا التصريح المباشر علت أصوات الرجال بصيحات الفرح والرضا ومن دون أن يخطط أحد لذلك اندلعت دبكة حماسية، وعلت الزغاريد من بيوت القرية، وتعانق الشيخ علي والأب يوحنا وهما يقفان في وسط حلقة الدبكة العفوية، وصوت أبي قاسم القوّال يهزج بحماس وطرب وارتجال:
"ظريف الطول ويا جايب لكتابْ..
عجّل بالبغله عم ييجو الأحبابْ.."
حتى إبراهيم "الاهبل"، مجنون القرية، ركض بلهفة وحماس، جارًا وراءه، بضجيج يصمّ الآذان، علب التنك الفارغة التي كانت يومًا علب عسل ودبس ومربى شهية، وأخذ يرقص مع علبه الضاجة وسط حلقة الدبكة. وللمرة الأولى في حياته لم يسخر منه أحدٌ ولم يطرده أحدٌ ولم ينهره أحدٌ. كان مجيء الكتب التي على البغال بالنسبة لإبراهيم حدثًا مصيريًا في حياته الرتيبة والشاقّة: منذ اللحظة التي لاحظ فيها أن لا أحد يضربه أو ينهره أو يسخر منه، بسبب الكتب، قرر بوعي كامل، وبإدراك عقلاني عميق، أنّ عليه البقاء بجوار هذه الكتب ما حيا. وهذا ما كان.
عاد الشيخ علي بكتاب كبير وجلس إلى الطاولة المُحمّلة بالأوراق والكتب وأقلام الرصاص المَبريّة بدقة. كان الأب يوحنا يقارن بين كتابيْن مفتوحيْن إلى جانب بعضهما البعض، ويشدّ خطًا بقلمه من تحت جملة في الكتاب الأول، ثم يشد خطًا آخر في الكتاب الثاني من تحت نفس الجملة.
"غريب. لا أثر للكلمة التي نبحث عنها. قد تكون حُرّفت في الترجمة والنقل."
"علينا أن نكون حذريْن قبل أن نخرج بهذا الاستنتاج. لا نريد أن نغضب أحدًا."
"هذا صحيح. ولكننا بحاجة إلى الطبعة الأولى المُحقّقة. هذه موجودة في لبنان فقط."
"لديك أصدقاء في لبنان، أليس كذلك؟"
"بالطبع. راعي الكنيسة في صيدا صديقي الحميم. سأكتب له رسالة حول الموضوع."
"جميل. وأنا سأطلب من جمال أن يراسل أصدقاءه وأساتذته في الأزهر. قد يساعدنا ذلك في شيء."
عاد الأب يوحنا بظهره إلى الوراءِ وشدَّ ظهرَه حتى كاد أن يقع إلى الخلف. إبتسم له الشيخ علي:
"أنت تتعب نفسك في الأيام الأخيرة."