أنت هنا
قراءة كتاب الأب والابن والروح التائهة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
4 | الروح
كان أكثر ما يحبّه الشيخ علي هو تلك الساعة العذبة بين صلاة الفجر وبين الدفء الأول الصباحيّ المنبعث من الشمس الآخذة في التكامل. هذه الساعة بالنسبة له هي ساعة الخالق. لم يكن يجاهر أمام أحدٍ بما يفكر، وكان يؤنّب نفسه دائمًا على أفكاره هذه، متيقنًا من أنها تحمل من الكفر بعض الشيء. ولكنه لم يكن ليستطيع الامتناع عنها. كان يحلو له أن يعود من الجامع بعد صلاة الفجر وأن يجلس في الحديقة الصغيرة الخضراء أمام بيته الصغير، وأن ينظر إلى الشمس الطالعة. كانت عيناه أحيانًا تغرورقان في الدمع، ويرفّ قلبه من الدهشة لأنه يكون متأكدًا في تلك اللحظة من أنه رأى وجهَ الله في قرص الشمس البرتقالي الناصع. كان يستسلم لدموعه في بعض الأحيان ويبدأ بقراءة الآيات القرآنية التي يحبها أكثر من غيرها، بصوت منخفض:
{ وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
في ذلك الصباح الشتويِّ الدافئِ، جلس الشيخ علي، وهو ساهمٌ في قرص الشمس، ولكنه لم يكن يفكر في وجه الله الذي يحب أن يطل عليه من قرص الشمس. فمع الوقت أقنع نفسه بأن أفكاره هذه لا تنم عن كفرٍ، بل عن أيمان ومحبة عميقين للذات الإلهية، خاصة إذا كان يرى وجه من يحبّهم في القرص البرتقالي المذهل. منذ أن أقنع نفسه بذلك بدأ يقرأ أكثر عن الصوفيين وحبّهم وولعهم بالذات الإلهية. مع الوقت صار حضور الله في قرص الشمس اليانع أمرًا مفروغًا، لأن الله موجودٌ في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ شيءٍ. الله يحبّ كلَّ جميل، وكل جميل من صنع الله. إذن، فشمس الفجر التي أدمن عليها هي التجلي الأكبر لقدرة الله وعظمته.
"صباح الخير"، قال جمال وهو يسحب كرسيَ قشٍ صغيرًا ويجلس إلى جانب والده.
"صباح النور يا ولدي. كيف أصبحت؟"
"الحمد لله."
"الحمد لله."