كتاب " الإسلام والعلمانية في العالم العربي " ، تأليف حيدر عبدالله شومان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والعلمانية في العالم العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإسلام والعلمانية في العالم العربي
ح- والعلماني: «تعني العامي أو ابن الشعب أي المدني غير المتعلم، وذلك مقابل الكلمة التي كانت تطلق على رجل الدين لأنه كان وحده المتعلم عملياً في القرون الوسطى clerc » (8).
ط- secularism : «العلمانية النزوع إلى الاهتمام بشؤون الحياة الدنيا. وقد يُقصد بالمصطلح أحياناً، العلمنة، أي نزع الصفة الدينية أو سلطان رجال الدين عن نشاط من النشاطات أو مؤسسة من المؤسسات» (9).
وما يُلاحظ في هذه التعريفات - بما يتصل بموضوع بحثنا - تفاوتها في الموقف السلبي من الدين والعالم الآخر بين الرفض المباشر وغير المباشر. وما يجمع بين هذه التعريفات وكثير غيرها هو نظرة العلمانية إلى العالم الآني بمنأى عن أية غيبيات أو كل ما له صلة بالمقدس أو الروحي. ومن خلال ذلك فقد قُسِّمت العلمانية ما بين شاملة وجزئية، وملحدة ومؤمنة، ومعتدلة ومتطرفة، وربما غير ذلك من التقسيمات التي تدور في فلك هذه التعريفات والتي ستبرز حين التعمق في مكامن مفهوم العلمانية إن شاء الله تعالى. أما الترجمة العربية للـ Secularism فلا بد من مناقشة كلمة «العلمانية»: هل هي (بفتح العين) أو (بكسرها)؟
هل نسبتها إلى العالم لتكون «عَلمانية» بفتح العين، أم النسبة إلى العِلم لتكون بكسرها؟
ونكون بذلك ألقينا الضوء أكثر على التعريف الغربي من خلال الترجمة إلى العربية وما يتضمنه من تعليقات سواء أتبنت النسبة الأولى أم الثانية. ثم معرفة أصل هذه الكلمة الإنجليزية ومن أي لغة كان اشتقاقها.
يقتبس الدكتور عبد الوهاب المسيري نقاشاً للدكتور فؤاد زكريا في موضوع المصطلح العربي الذي يقول فيه: «لا شك أن الربط بين العلمانية وبين معنى (العالم) أدق من الربط بينها وبين (العلم). ولو شئنا الدقة الكاملة لقلنا إن الترجمة الصحيحة للكلمة هي (الزمانية) لأن اللفظ الذي يدل عليها في اللغات الأجنبية، في الإنجليزية مثلاً مشتق من كلمة تعني (saeculum) القرن، فالعلمانية إذن ترتبط، في اللغات الأجنبية، بالأمور الزمانية، أي بما يحدث في هذا العالم وعلى هذه الأرض، في مقابل الأمور الروحانية التي تتعلق أساساً بالعالم الآخر. ومع ذلك فإن الشقة ليست بعيدة بين الاهتمام بأمور هذا العالم، وبين الاهتمام بالعلم. ذلك لأن العلم بمعناه الحديث لم يظهر إلا منذ بدء التحول نحو انتزاع أمور الحياة من المؤسسات التي تمثل السلطة الروحية وتركيزها في يد السلطة الزمنية. والعالم بطبيعته زماني، لا يزعم لنفسه الخلود، بل إن الحقيقة الكبرى فيه هي قابليته للتصحيح ولتجاوز ذاته على الدوام وهو أيضاً مرتبط بهذا العالم، لا يدَّعي معرفة أسرار غيبية أو عوالم روحانية خافية....» (10).
فيقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: كلمة Secularism مشتقة من الكلمة اللاتينية سيكولوم وتعني العصر أو الجيل أو القرن. أما في لاتينية العصور الوسطى ـ التي تهمنا في سياق هذا الفصل ـ فإن الكلمة تعني العالم أو الدنيا مقابل الكنيسة» (11).
أما الدكتور عزيز العظمة فله مقاربة أخرى في هذا الطرح فيقول: «وهل كان الاشتقاق من العلم (عِلمانية، بكسر العين) أم من العالم (العَلمانية، بفتح العين، بناءً على اشتقاق غير سليم). ولكن الأرجح أن الاشتقاق الأول هو الأولى، فهو أساس ثابت في حاضر اللسان العربي المتحقق، وهو مندرج في قاعدة صرفية واضحة...» (12).
مع أنه بعد سطور قليلة من الصفحة نفسها عند عرضه لتعريف العلمانية يقول: saeculum مستقاة من الكلمة اللاتينية، وهناك عبارة secularism التي تعني لغوياً الجيل من الناس، والتي اتخذت بعد ذلك معنى خاصاً في اللاتينية الكنسية، يشير إلى العالم الزمني في تميُّزه عن العالم الروحي.
والذي لا يوحيه ظهور هذا التعريف إلى كلمة العلم بل إلى كلمة العالم. يقول جورج طرابيشي - وهو علماني بارز - «.. وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإن كلمة علمانية غير مشتقة من العِلم، بل من العالَم، وعلى هذا فإن العلماني هو من ينتسب إلى العالَم أو العالَمين أي الناس، في مقابل الرباني المنسوب إلى الرب» (13).
ثم يقول في كتاب آخر: «وأنا أرى أنه ليس لها علاقة بالعلم لسبب بسيط، لكون العلم آنذاك كان محتكراً من قبل الكنيسة، فلا عالِم إلا من الكنيسة التي كانت تحتكر العلم. وبالتالي لو كان العلماني هو العالِم لكان بالضرورة راهباً، مما ينفي إرجاع العلمانية إلى العلم، وإلا لكانت تعادل الرهبانية، في حين أن العَلمانية هي من ينتمي إلى هذا العالم» (14).
ولا أرى أن راجحية أحد الاحتمالين على الآخر تصلح أو تفسد في الود قضية، إلا مدى انعكاس التلقي العربي لهذا الاحتمال أو لذلك، لكن المستغرب هو الترجمة العربية نفسها للكلمة (Secularism) الإنجليزية ـ أي العلمانية ـ (سواء أكان بفتح العين أو كسرها) التي «ترجمت عن اللغات الأوروبية ـ كما رأينا ـ وكان يمكن أن تترجم بلفظة لا دينية لأن معنى الكلمة الأجنبية ما ليس بديني، وكل ما ليس بديني، هو لا ديني، ولكن اختيرت كلمة علماني أو مدني لأنها أقل إثارة من كلمة لا ديني» (15).
خصوصاً أن المعاجم تفضي إلى معان تعزل الدين في أهون الأمور وما يتصل به من متعلقات في هذا العالم أو في العالم الآخر. ويكاد يكون الأمر أكثر من خطأ في الترجمة أو عفوية في التجاوز، خصوصاً وأن صوابها أو دقتها سوف يؤدي إلى سلبية في رد الفعل عند قاعدة تدين غالبيتها العظمى بديانة سماوية (إسلاماً كانت أو مسيحيةً) لما تزل تعيش في كيانها ووجدانها على الرغم من كل شيء. اللهم إلا إذا كان المعنى يتصل بالعالم الآني الزمني النسبي حيث الأمور المُدركة المنظورة الخاضعة لقوانين طبيعية، بعيداً عن الإلهيات والمقدسـات والغيبيات والمطلقات والميتافيزيقيات، وبعيداً عن الأمور الروحية المتعلقة بعالم آخر، ودنيا أخرى، فهذا وإن كان يرجح اشتقاق العَلمانية (بفتح العين) إلا أنه يكشف فيه من خلال الدلالة اللادينية في التعريف ما أريد منه الغموض في الترجمة لاعتبارات فيها مهادنة للبيئة التي تعيش الدين في أعماقها، وبالتالي تجانس الترجمة للكلمة الإنجليزية - أو الفرنسية - مع أصلها اللاديني التي وُلدت فيه في الغرب. فالإشارة إلى الدين سلباً، هي ما يجمع كل هذه التعريفات، مع التفاوت في هذه السلبية، أكثر مما تشير في طياتها إلى أي من (العالم) أو (العلم).