كتاب " الإسلام والعلمانية في العالم العربي " ، تأليف حيدر عبدالله شومان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والعلمانية في العالم العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الإسلام والعلمانية في العالم العربي
2 ـ العصور الوسطى
ولقد سميت القرون الوسطى بحق القرون المظلمة. فهي تمثل العصور التي سادها الجهل والتعصب في أوروبا التي زالت فيها ثقافة الإغريق. وصار العلم أو مسخ العلم مقصوراً على الرهبان في الأديار (25).
لم تكن الكلمة المنسوبة إلى السيد المسيح (ع): «دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر» (26) مبدأً انتهجته الكنيسة في ما يعرف بالقرون الوسطى في أوروبا، خصوصاً بعد مجمع (نيقية) عام 325 م ودخول الأمبراطور قسطنطين في المسيحية لتقوى به ويقوى بها. فلقد استطاعت الكنيسة مع الوقت أن تنال ما لله، وتُحرِّك قيصر والأباطرة والملوك والسيطرة عليهم بما ادعته من سلطة دنيوية ودينية. فكانت هيمنتها تطال جميع شؤون الحياة الخاصة والعامة، من سياسية ودينية وقانونية وفكرية وتربوية وغيرها.
ومن الطبيعي أن يزداد رجال الكنيسة، ممثلو الله في الأرض، ثراءً في مجتمع خانع يتقبل الطغيان بحس إيماني عقائدي، ويقبع أفراده في دركات الجهل وقد حُرموا من قراءة الإنجيل الذي كان حكراً على القساوسة. فكانت بدعة صكوك الغفران وبيع أراض ٍ في الجنة لمن يملك الثمن، وفرض الضرائب، ومحاربة العلماء - من أمثال كوبرنيكوس وبرونو وغاليلو - الذين تخالف اكتشافاتهم تعاليم الكنيسة وتراث الفكر الإغريقي خصوصاً أرسطو وبطليموس. ومن الطبيعي في أية سلطة استبدادية أن تحافظ على ما تملك من نفوذ ومكتسبات مادية ومعنوية بكل الطرق المتاحة، ومنها محاكم التفتيش التي أُسست من أجل التنكيل بكل مخالف، والتي أدانت جوردانو برونو وحكمت عليه بالموت حرقاً (27).
فقد أصبح لسلطة الكنيسة جيش منظم يقوم بهذه المهمات.
هذا السرد الخاطف - في هذه العجالة - لبعض الممارسات الشاذة في زمن العصور الوسطى تؤشر إلى ما يمكن أن يعطي فكرة عامة عن طبيعة النتيجة التي ستؤول إليها الأوضاع في عصر ما سمي بعصر النهضة، والتي عنوانها الأبرز: الازدراء من الدين ورجاله، أياً كان الدين، وأياً كان رجاله، والسعي إلى التغيير.
لذلك قامت حركة الإصلاح الديني التي تأسست على يد مارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي، الذي هبَّ لمجابهة أفكار الكنيسة، وعارض بشدة الكثير من ممارستها مثل صكوك الغفران، والتصدق لخروج الروح من البرزخ، وما إلى ذلك، ويعتقد أن الأساقفة لا يتمتعون لا بامتياز خاص ولا بمقام متميز، وكل فرد هو قسيس بالقوة (28).
ولعل من أكثر النظريات تطرفاً في هذا المجال (مجال الفصل بين الدين والدولة) ما طرحه مارتن لوثر تحت عنوان (المملكتين) ويمكن تلخيص نظريته كالتالي: «يجب أن يحكم إنجيل الله في الكنيسة وقانون شريعته في نطاق المجتمع. وإذا أردنا أن ندير الكنيسة على أساس القانون والمجتمع على أساس الإنجيل، سوف يجبر الناس على إحضار القانون والمقررات إلى مجال اللطف والفيض الإلهي، ومن جهة ثانية إحضار العواطف والأحاسيس إلى منطقة العدالة. ونتيجة هذا الأمر أن يحرم الله من عرش سلطنته وأن يحكم الشيطان في النظم الاجتماعية» (29).
فقد شكّل الإصلاح الديني البروتستانتي أول خطوة نحو علمنة رؤية الإنسان الغربي، إذ إنه قضى على أهم المؤسسات الوسيطة (الكنيسة). وقد ساهم كل هذا في ظهور الإنسان الفرد المتمركز حول ذاته، الذي يحوي داخله قوانين ذاته، فهو مرجعية ذاته، ويفسر الكتاب المقدس بنفسه، ويرتكب الخطيئة ويأتي لنفسه بالخلاص (30).