كتاب " الإسلام والعلمانية في العالم العربي " ، تأليف حيدر عبدالله شومان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والعلمانية في العالم العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الإسلام والعلمانية في العالم العربي
5 ـ الثورة الصناعية
شهدت دول أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر قفزات علمية وتقنية هائلة - مع العلم أن بوادرها بدأت قبل ذلك بكثير - كان لها تحول هائل في حركة الحياة، خصوصاً في مجالي الصناعة والمواصلات، ليفتحا الطريق واسعاً أمام التغيير ليفرض نفسه واقعاً جديداً لا مناص منه. وكان التغيير جلياً في نهاية عصر الإقطاع وما حمله من طغيان واستغلال، فكانت هجرة الناس من القرى إلى المدن، والعمال من زراعة الأرض إلى المصانع، لتبرز الرأسمالية على أنقاض النظام الإقطاعي بما تحمله من روح علمانية، وثورة على ما هو سائد، ثورة سياسية واقتصادية وما سيتبعهما من تحولات سوف تطال كل مجالات الحياة، ما كرّس العلمانية كواقع قوي في فكر المجتمعات الغربية. وكان الطموح إلى دولة قوية بعد انهيار سلطة الدين كواقع مفروض، وبالتالي لم يعد لله وجود، حقيقةً أو تأثيراً. ومن النظريات السياسية في هذا المجال، التي بدأت تجد لها مكاناً لم تجده من قبل، ما يتضمنه كتاب (الأمير) لنيكولا ماكيافيلي (1469-1527). ولا تنطوي التعاليم التي يقدمها هذا الكتاب على أية نصيحة خالصة إلى الحاكم تبين له كيف يكون حاكماً فاضلاً. بل إن الكتاب يعترف بأن هناك ممارسات شريرة تؤدي إلى اكتساب السلطة السياسية. وكان هذا هو السبب في اكتساب لفظ الماكيافيلي معناه الشرير المذموم (35).
فالغاية تبرر الوسيلة، ولا وجود لأية معايير أخلاقية سوى ما ينتج من منفعة. والدين عنده لم يفلح حينما مارس حكمه في البلاد لقرون طويلة، وآن له أن يترك الأمر لأهله، فالحياة لا تمت إلى عالم الغيب بصلة، ولا تقوم على القوانين الإلهية وقيمه الأخلاقية، لذلك يجب أن تنطلق الحياة بنواميسها الدنيوية ورجالها الزمنيين لتوفير رفاهية العيش أياً تكن الوسائل والسبل. وعلى الحاكم أن يسعى إلى ذلك بكل ما أوتي من قوة، فلا حدود لنفوذه وسطوته، ويجب أن يزيل كل العوائق من دربه، أياً كانت العوائق والوسائل. ولا يخفى مدى الأثر الذي تركه هذا الكتاب وتعاليمه في السياسات التي اتبعها كثير من الحاكمين الاستبداديين في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق، ولا يزالون، في مشارق الأرض ومغاربها لتخلِّفَ الحروب والصراعات الداخلية والخارجية.
وقد اقتبس من ماكيافيللي، أو طوّر فكرة الدولة والحكومة ضمن رؤيته الخاصة، أمثال توماس هوبز (1588-1679) وما يؤمن به من غريزة الصراع للإنسان (الذئب) ضد أخيه الإنسان، ما يستوجب من عقد يُفترض إقراره بين جميع الأفراد لتفويض مجموعة من الناس تكون لهم السلطة المطلقة، الدولة التنين، ولا يجوز تجاوزها بأي حال من الأحوال، خصوصاً بعد انسحاب الإله من حياة الإنسان.
أما جون لوك (1632-1704)، فقد كان أقل تطرفاً وحدّة. فليس الإنسان شريراً بطبعه، بل إن ما يحيط به في بيئته يحدد شخصيته وتوجهه. كذلك فهو يرفض أن تكون سلطة الحكومة مطلقة، بل إن للأفراد رأياً ودوراً يصل إلى انتزاع هذه السلطة من الحكومة وحلّ ذلك العقد متى ما كان أداؤها قاصراً أو مقصِّراً.
وكان هناك فلاسفة التنوير وعلى رأسهم جان جاك روسو (1712-1778)، الذي استفاد مِمَّن سبقه ليصوغ العقد الاجتماعي بشكله المكتمل. ويتفق روسو مع غيره في الدور السلبي الذي مارسه الدين في السياسة ووجوب أن تسعى الحكومة القومية المركزية، للتخلص من الدين وعزله عن الحياة.
وكانت نظرية العقد الاجتماعي، والأفكار التي طرحها روسو، ثورة في عالم الحكومات والمجتمعات والأفراد، وانبثقت منها شعوب ومؤسسات وغيرها، تنادي بالقومية والوطن الواحد، وذلك بتأثير الثورة الفرنسية التي كان كتاب روسو إنجيلاً لها.