كتاب " الإسلام والعلمانية في العالم العربي " ، تأليف حيدر عبدالله شومان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الإسلام والعلمانية في العالم العربي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الإسلام والعلمانية في العالم العربي
3 ـ عصر النهضة
وعندما يُبعد الدين عن ساحة الواقع فلا شك أنه سيترك فراغاً كبيراً، وسيكون البحث عن إله يحل مكان إله السماء.
بدأ الدين يفقد حضوره في الواقع تدريجاً كانعكاس للفترة التي اعتُبِر فيها مصدراً للمعاناة، ورجالاته رمزاً للطغيان والفساد. واقتصر حضوره المحدود في قلوب بعض من لا يزال يؤمن بالقيم الإلهية بعيداً عن الإيحاءات التي سببتها رموزه الفاسدة. والتحولات التاريخية في أي مجتمع لا تتم بشكل انقلابي فجائي، خصوصاً ما يتصل بعقائد أو أعراف راسخة أو تقاليد موروثة قديمة، ولكن تتخذ مراحل انتقالية بما تعتريها من أحداث تشتد وتضعف بمدى اشتدادها وضعفها. وعصر النهضة، بما يختزن من أحداث نوعية، كان أحد تلك التحولات التي هيأت المناخ المناسب لانطلاق العلمانية، وإن لم تظهر ملامحها الواضحة وخطوطها العريضة والتفصيلية إلا لاحقاً، خصوصاً عند ما عُرف بعصر التنوير وما بعده. والجدير ذكره أن كثيراً من البحوث التي تفصِّل في نشأة العلمانية، يكون أكثر تركيزها على العامل الديني وما سببته الكنيسة من مآس ٍ وويلات أدت إلى التوجه نحو العلمانية في المجتمعات المتضررة، مع أن العوامل الأخرى تشكل أهمية كبرى في هذا المجال.
وعصر النهضة يراد به عصر إحياء العلم والأدب حيث تضافرت المساعي والجهود في القرن الخامس لإحياء الحضارتين اليونانية والرومانية في أعقاب العصر الوسيط.
بدأ هذا العصر حين فتح العثمانيون القسطنطينية عام 1453، ولجوء العلماء اليونانيين إلى إيطاليا وسائر البلدان الغربية، فالنهضة تعبر عن مرحلة جديدة في فكر الناس وبالتالي في جميع شؤونهم الحياتية. وفي أعقاب هذا التطور، طرأ التغيير والتطور على سائر المؤسسات الاجتماعية في أوروبا (31).
وجاء سقوط القسطنطينية بيد المسلمين مدوّياً أصاب أوروبا كلها بذعر عميق، وكان صدمة حضارية حملت أوروبا أن تعيد النظر في جميع أوضاعها ونظمها، كما حملها على أن تعد نفسها لمواجهة مباشرة مع العالم الإسلامي باعتباره قوة سياسية عسكرية، وباعتباره - وهذا هو الأخطر - حضارة. وهكذا ولدت النهضة الأوروبية.. حتى تكونت حضارة أوروبا الحديثة بالمنهج التجريبي والعلم التجريبي اللذين استمدهما العقل الأوروبي من حضارة الإسلام (32).
هذا التفاعل مع الحضارة الإسلامية أيقظ أوروبا من سباتها العميق وفتح لها باباً تطل من خلاله على تغيير واقعها الفكري والسياسي والديني والاجتماعي، وإن كان ذا منحى مختلفاً تماماً عن روحية العقيدة الإسلامية، بالإضافة إلى العودة إلى التراثين اليوناني والروماني، حيث لم تُمحَ صورة الصراع الذي احتدم طويلاً خلال الحملات الصليبية ضد المسلمين وقد عادت لتسطع من جديد عند سقوط القسطنطينية.
كما يمكن أن يكمن عدم الولوج إلى صرح الديانة الإسلامية، وممارسة ذلك التأثر بحضارتها بإيجابية نتيجة لممارسة الدين الكنسي الذي شكل للإنسان الأوروبي نوعاً من العقدة نحو كل ما هو غيبي يتصل بالسماء.
فكان التطور التكنولوجي الحديث والاكتشافات الجغرافية من خلال اقتحام البحار والمحيطات والتعرف على أراضٍ وشعوب وآفاق في الحياة جديدة. كما يعد اختراع المطبعة وما أفرزته من تناقل لأفكار باتت في متناول من أراد، خصوصاً طبع الكتاب المقدس مترجما إلى أكثر من لغة محلية، أنشأ بداية مجتمع يتحرر شيئاً فشيئاً من سطوة الكنيسة الفكرية والإيمانية، وما فرضته من أساطير وشعوذات وخرافات لقرون طويلة.
وفي خضم هذه المعتركات التي أسست لمرحلة ستأتي لاحقاً بما تحمل من تقدم وتطور لتصبح الحياة أفضل، شعر الإنسان بثقة كبيرة بقدرته على تسخير ما حوله، وبالتالي لم يعد عاجزاً كما فُرض العجز عليه من قبل.