كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
الفصل الأول
منظورات نحو الوعي والمشكلة
لعل التعمق في قضايا الوعي والمشكلة يستلزم غوراً مفاهيمياً يمكن أن يستدرج المعاني ويربط الأسباب بالنتائج، لمعرفة ماهية الوعي وماهية المشكلة.
وللبناءات أسس ترتكز عليها، والخوض في غمار أصول الوعي والمشكلة يتطلب الوقوف على ما يسمى بوعي الوعي والمشكلة وإدراكهما عن طريق فك لبس غموض المفاهيم ودلالاتها الخاصة بها.
في ديباجة الحياة ظهرت صور عديدة صوّرت تصرفات وسلوكيات الأفراد على أنها نابعة من انحدارها من مواقف ضعف أو عدم فهم أو قلة خبرة أو التغاضي عن الفهم العميق الحقيقي من جانب، ومن جانب آخر قد تكون نابعة من سلوكيات وتصرفات صحيحة مدروسة، وهي انعكاس لتمكين المعرفة من إدارة الحياة بشكل متزن، وما هو حادث في أغلب نواحي الحياة.
فكيف يدرك ويعرف ويتوقع الإنسان ما هو مطلوب منه وما ينبغي عليه أن يفعله ؟ وهل كل البشر قادرون على امتلاك منظومة وعي مدركة كاملة، وكيف يكتسبونها ؟ ولماذا يتغافل عنها الكثير رغم استعدادهم لإدارة المعرفة بشكل منطقي عقلاني ؟ وهل نشأ الفرد في محيطٍ يؤهله لأن يتمكن معرفياً من خوض غمار الحياة ؟
إن الحياة التي جعلت الإنسان يتصرف بها وفقاً لعقلهِ مطوّعاً ما يمتلكهُ من إمكانيات ومعرفة ووعي بتذليل صعابها وكسب ثمار نتائجها المبهرة، جعلت ذلك الإنسان يمتلك منظومة وعي قادرة على أن تفكر في كيفية وعي الوعي ذاته، فليس كل إنسان مؤهلاً لامتلاك الوعي وواعياً لأمور محيطه وحياته، ونجد العكس من ذلك عند الكثيرين.
يفرق ايمانويل كانط «بين الظاهرة ( Phenomenon ) والشيء بذاته، فالظاهرة هي كل ما نعيه ويتبدّى لوعينا وندركه على النقيض من الشيء بذاته الذي يفرز الظواهر ولا نعيه أبداً بعقولنا، وعلى عكس كانط، يرى هوسرل أنّ الظاهرة هي كل شيء والوعي بالظاهرة هو وعي بالوجود، ويرى أنّ مقولة الشيء بذاته تحمل تناقضاً منطقياً واضحا ً، فأن تقول إننا لا نعلم عن الشيء شيئاً يعني أننا عرفنا عنه شيئاً، ووجود المعرفة بالشيء مهما كانت ضئيلة لا يمكن أن تكون عدم معرفة، وبما أنّ الظاهرة هي كل ما ينكشف للوعي، إذن، هي حجر الأساس للمعرفة، والوعي نفسه لابد وأن يكون قصدياً ويتطلب ذاتاً عارفة وموضوعاً خارجياً يتم التعرف إليه» (1) .
ولما كانت المعرفة الاجتماعية كالفكر والحدس والإدراك الحسي وغيرها، والتي تتحدد من قبل البناء الاجتماعي تمثل علم الوجود، لذا فالمعارف الاجتماعية تختلف باختلاف الجماعات، والتي تتضمن كل منها معرفة اجتماعية خاصة بها (2) .
وهكذا تنمو وتنشأ المعارف في كل مكان وتتطور وتزدهر القابلية على الإدراك، حتى وإن كان الإدراك والوعي نحو الأفضل أو نحو الأسوأ.
وتأتي التخبطات عند الأفراد في التفكير والإحساس والإدراك لما يتصرفون به ولما يحيط بهم، ناتجة عن خلل في منظومة الوعي بالشيء وتشخيصه، فليس كل فرد قادراً على التشخيص الصحيح وفق ما تمليه عليه منظومة وعيه، فقد يكون قاصراً عاجزاً عن إزالة غموض الأشياء أو القصدية في مغالطة ما يقوله الوعي.
ويمكن أن نطلق على وعينا لذلك بأنه اضطراب في التفكير أو قصورٍ به.
إذ يعد كثيرون أنّ اضطرابات التفكير هي عرض من أعراض الفصام يتصف بفقدان الترابط بين الأفكار وفقد محتواها من حيث المعنى وعدم التماسك (3) .
وكحالة مطابقة وواقعية على قصور التفكير هي أنّ حياة الإنسان قائمة ولا تزال على تخطيط تفكيري احتل الفكر الإنساني فيه القمة، فما وصول الحياة إلى ما هي عليه الآن إلا انعكاس لصورةٍ تكاملية فكرية راكمت أفكار الإنسان وتطورها بازدهارٍ حياتي متطور أو العكس من ذلك، لعب الفكر الإنساني دوراً آخر في الحط من قيمة النوع الإنساني، لارتباطهِ بالتفكير القاصر وتوظيفهِ لعرقلة الحياة ولضررها.
وعندما يتجرد الفرد من سياق تفكيرهِ وعاطفتهِ وتطغى على شعورهِ تجربة عاطفية وفكرية معينة، عند ذلك يشبّه الفرد بأنهُ قد دخل في حالة من الغيبوبة وهي حالة تشبه النوم، إذ يكون فيها الوعي كما لو أنّ روحاً أو قوة تأمرهُ أو شخصاً آخر يتحكم بهِ، وعندها يفقد الإحساس بالهوية الشخصية والدراية لما حوله (4) .
ومن ذلك تبرز مشكلة الوعي بمنظومة الوعي نفسها، فالسيطرة على الأمور ووضعها في نصابها بدقةٍ تدلل على سلوك الوعي في قنواتهِ الصحيحة، والعكس هو اندثار الوعي وتأزمهُ.