كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
ولا يقتصر تأثير المحيط الاجتماعي على تكوين منظومة الوعي، وإنما هو مسؤول بشكلٍ مباشر - كما ذكرنا - عن تلقي المعارف والمهارات والأفكار.
«فتتعدد وتتنوع معارف الإنسان حسب نمط عيشه وتطوره الفكري والاجتماعي، فمنها ما هو ذاتي - انطباعي، وأخرى تراثية وبعضها عقلية، ومنها علمية، وأخرى دينية، وقسم منها خرافية - أسطورية عاكسة لزمانها ومكانها، أي المرحلة التطورية لها والمنطقة الجغرافية التي تعيش عليها، موضحة علاقتها بالمجتمعات الأخرى والثقافات المتصلة» (28) .
وذلك ما يشير إلى تنوع معارف الإنسان وفق بيئتهِ ومحيطه الذي ينطلق منه، وكذا الحال بالنسبة إلى ملكة الوعي التي تنشأ لدى الفرد وتتشكل وفق ظروف الجماعة التي ينتمي لها وإمكاناتها وسلوكياتها، وما يتشربه من قيم وإرث وعادات ذلك المجتمع الذي يحيا فيه.
وتتناوب على تكوين الوعي لدى الإنسان عدة مؤثرات في هذا المحيط تتبلور على شكل عمليات ومؤسسات لها الأثر الكبير في تعديل وإضافة سلوكيات جديدة للإنسان بشقيها الإيجابي منها والسلبي.
إن طور حياة الفرد يمر بما يسمى بالتنشئة الاجتماعية ( Socialization )، التي تساهم في نوعية انتقال الفرد من مرحلة عمرية إلى أخرى، بما تحمله هذه المراحل من اكتساب مهارات وعادات وتلقي خبرات، وهي المسؤولة عن تكامل حياة الفرد في المجتمع.
حيث إن لكل مجتمع طرقه وأساليبه ومعاييره الاجتماعية الخاصة بهِ والمميزة له، ويستخدم ما يناسبه ويختاره لتحقيق النمو الاجتماعي المطلوب، إذ تمارس التنشئة الاجتماعية دورها في مساعدة الفرد على التصرف وفق معايير مجتمعية، تجعل منه ملتزماً قدر الإمكان بأساليب الحياة في ذلك المجتمع وسقفه الثقافي (29) .
ولما كانت التنشئة الاجتماعية تعمل بهذه النوعية في حياة الفرد، لذا فهي تساهم بقوةٍ في تشكيل وعيه وتفتح مداركه وقدرته على التمييز.
وتتطور هذه القدرة بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، على أن لا ننسى كيف تكمل كل مرحلة المرحلة التي سبقتها في رفد الفرد بالمهارات والوعي والمعرفة.
إن السلوك الاجتماعي للإنسان هو مظهر من مظاهر التنشئة، يعتمد في تطوره على قوتين متفاعلتين بعضهما مع بعض، هما قوى الإنسان الذاتية أو الموروثة من جهة، وقوى المجتمع المضافة له من جهة أخرى (30) .
ولا يمكن لعملية التنشئة أن تؤدي دورها دون تكامل معطيات الحياة وتوافر عناصر إتمام العملية من مؤسسات وأدوار وسلوكيات.
إن مفهوم التنشئة الاجتماعية في معناه العام يشير إلى العمليات التي تساعد الفرد على كيفية الاستجابة للمؤثرات الاجتماعية المختلفة، بغرض التواؤم والتوافق مع الآخرين، وكذلك يشير هذا المفهوم إلى العملية التي يتحول خلالها الفرد من كائن عضوي بيولوجي إلى كائن اجتماعي (31) ، يعيش مع الآخرين في بيئة يساهم هو في اكتمالها وتطورها.
تعدُّ التنشئة الاجتماعية عملية قديمة قدم المجتمعات الإنسانية، التي مارسها كثير من الشعوب القديمة ومازالت الحديثة منها تمارسها، لتنشئة أجيالها وفق خصائصها وعاداتها وتقاليدها التي كونتها وتعاطت معها (32) .
إن صورة واضحة لما وصل إليه الإنسان اليوم، هي دليل على انخراط مراحل حياته وخضوعها للتنشئة الاجتماعية، التي جعلت منه منتظماً في الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ليكتسب صفة المقبولية الاجتماعية في المجتمع.
ويجب أن لا ننسى تعثر قنوات التنشئة الاجتماعية بالنسبة للفرد وما قد يؤديه ذلك التعثر من سلخ الفرد من مقبولية الحياة الاجتماعية، وما خروج الحياة اليوم وفي رصيدها أعداد هائلة من المنسلخين عن السياق الاجتماعي، إلا دليل على قصور التنشئة الاجتماعية لهذه الأعداد من الأفراد.