كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
ومن الطبيعي أنّ الخلل والقصور في استيعاب الإنسان لمجريات حياتهِ ينم عن الضعف الواضح في مستلزمات الوعي الموجود لديه.
لقد تعددت المنظورات إلى الوعي غير أنها تجمع كلها على كبر تأثيرهِ في المجتمع، بما في ذلك تحريك وتغيير المجتمع باتجاهاتٍ مختلفة (5) .
ويقيناً نحن على معرفة تامة بجدوى الوعي في إدارة المنظومة الحياتية، وما تنقيبنا في ثنايا الوعي ومعرفة نتائج خللهِ إلا نتيجة لدور الوعي المتأزم في شلِّ حركة الإنسان وبالتالي الحياة.
يمكن أن يقال: إن كل إنسان يمتلك وعياً، أو له الاستعداد لذلك، لكن ليس كل إنسان يتصرف بوعيٍ كامل لمعرفة كنه حياتهِ وحياة الآخرين.
إذ إن فهم الحياة لم يأت بالصدفة أو وجده الإنسان جاهزاً بقالبٍ حياتي، وإنما لعب الوعي والمعرفة دوراً كبيراً في سيرها نحو الجادة الصحيحة أو الخاطئة.
ومثلما وظّف الإنسان وعيه لبناء كيان استقلالي له ولأخيه الإنسان، أيضاً هو نفسه ساهم في تدمير ذاتهِ وذات الآخرين، وكل ذلك جاء عن التصرف بعقلانية أو مغالطة العقلانية المستندة إلى الوعي بالحياة. و « تستند فكرة القصدية في الفكر الهوسرلي إلى الدعوى التالية: كل فكر هو فكر في شيء، أي أنه يقصد وبصيغة أدق: الوعي هو وعي بشيء ما ولا يوجد وعي بالفراغ، فالوعي إذن، دائماً يعي شيئاً، فأنا أعي الطاولة والقلم والشارع والناس التي تمشي...الخ، وكل هذه الأمور موضوعات للوعي» (6) .
ي ُنظر إلى الوعي لغةً على أنهُ الفهم وسلامة الإدراك، وهو في الاصطلاح إدراك الفرد لنفسهِ وللبيئة المحيطة بهِ، وهو بهذا المعنى يتضمن إدراك الفرد لنفسه ولوظائفه العقلية والجسمية وللعالم المحيط به ِ (7) .
ويمكن أن ينسحب الوعي إلى أبعد من ذلك شرط أن يعي الفرد نفسه أولاً، ويكون الوعي هو معرفة حجمهِ كإنسان وما المطلوب منه وما يجب أن يعيه بالنظر إلى ما يحيط بهِ.
وما تناقضات العالم اليوم إلا تصدعات واضحة في الوعي الذاتي قبل الوعي بالمحيط، وهي صورة لوجود القشرة الفارغة لكيان الإنسان الذي يفترض أن يمتلك وعياً قادراً على إحاطة نفسهِ بهالة قادرة على تسيير الحياة.
وقد يكون الوعي هو العلم المشترك والمعرفة المتبادلة، القائمة على إدراك الذات للآخر، والذي يشكل الأداء المعرفي للعقل البشري (8) .
بينما يرى باحثون في علم الاجتماع «إن المقصود بالوعي هو إدراك الفرد لنفسهِ كعضو في جماعة، ويرى ميد (G . H . mead) أنه ينشأ نتيجة الفعل الاجتماعي، إذ تمكن عملية التواصل من أن يعي الفرد ليس غيره فقط أي الآخر، بل أن يرى نفسه أيضاً من منظور الآخر، أي أنّ يقوم بدور الآخر إزاء نفسه، وأنّ استدخال الآخر على هذا النحو هو شرط ضروري في قيام الوعي: الذات تصبح موضوعاً لذاتها « (9) .
لعل تشابكات الحياة وبناءاتها تحتّم على الإنسان، بل ينبغي عليه أن يعي الوعي، على اعتبار أنّ جل حياتهِ في ازدهارها وانتكاساتها يديرها وعيه الخاص بهِ والمكتسب من المحيط.
وما سلوك الوعي وبقاؤه في مكانهِ المناسب، إلّا انعكاس لصورة التحرك المستقيم للإنسان في ولوج مراحل الحياة.
وما اختلال الوعي وتأزمه إلا ويلقي بضلالهِ السوداء على تفكك حياتي، فردي ومجتمعي مصاحباً لأزمات وكوارث على الصعد كافة، يمكن أن تحيل حياة البشرية إلى فوضى دائمة من صنع الإنسان ذاتهِ.
وللوعي في آراء الفلاسفة معانٍ كثيرة تشير إلى حالاتٍ خاصة من الوعي ودرجاتهِ، ففي رأي الرواقيين هو حاسة باطنية تدرك النفس بها توتراتها، في حين كانت وجهة نظر القديس توماس الأكويني( Thomas Acquinas )بأنه إدراك شيء ما أو معرفته وقد كان ليبنز Leibniz) )هو أول من ميّز بين الوعي واللاوعي، حيث إنّ الإدراكات البسيطة تصبح مجتمعات إدراكية واعية بالتراكم (10) .