كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
فضلاً عن ذلك، لا يقتصر دور التنشئة الاجتماعية على غرس المهارات والمعارف وغيرها فقط، وإنما يقوم أيضاً، بوضع آلية الضبط والكف عن الأعمال التي لا تتسق مع معايير وقيم المجتمع، مع تشجيع الأفراد على العيش والاندراج ضمن الحياة الاجتماعية دون الانعزال عنها (39) .
وعملية التقبل والاكتساب هذه التي يلحقها الرفض والكف عن كل ما من شأنه مخالفة قواعد المجتمع ، لا تأتي بسهولة عن طريق التنشئة الاجتماعية، وإنما تحتاج إلى مساهمة التنشئة في بلورة منظومة الوعي بشكلٍ إيجابي، للوعي بهذه الأمور والمساهمة في تقبلها والسير وفقاً لها.
ومن مساهمات التنشئة الاجتماعية الأخرى إنها تساعد الفرد على الانتقال من الاتكالية المطلقة والاعتماد على الغير والتمركز حول الذات في مراحل عمره الأولى ، إلى الاستقلالية والإيجابية والاعتماد على الذات وتقبل الحياة والآخرين (40) .
ومن المؤكد أنّ سير عملية التنشئة الاجتماعية بصورة سليمة من شأنه أن ينقل الفرد من طور الفرد البعيد عن الصفات الاجتماعية إلى الحياة بصفاتها الاجتماعية والبعيدة عن الانعزالية والتقوقع حول الذات وإلى الانفتاح وحق تكوين الشخصية ومعرفة حدود ممارساتها وطموحاتها.
وللوعي بذلك وقفة كبيرة في حثِّ الفرد على فتح مداركه للتخلص من السلبيات التي تدفع الإنسان إلى الانسلاخ عن الجانب الإنساني .
ولما كانت التنشئة الاجتماعية تساعد على تشرب الفرد لثقافة مجتمعه ِ، لذا فهي تعمل على بناء الشخصية لذلك الفرد المتماثلة مع قيم واتجاهات وعادات المجتمع الذي يحيا فيه (41) .
ومن ذلك تبرز أهمية التنشئة الاجتماعية بقنواتها المختلفة في نشوء ملكة الوعي لدى الفرد وكيفية مساهمة المنظومة الثقافية لمجتمعه في تعزيز دور الوعي لديه في إدراك وتمييز الأحداث والمساهمة الفاعلة في الحياة.
وتختلف قنوات التقبل لعملية التنشئة الاجتماعية لدى الفرد باختلاف نوعية الوعي المكتسب عن طريقها، إذ إن نشوء الفرد واعياً بذاته ومحيطه وأقرانهِ دليل على إتقان التنشئة لدورها في ترسيخ وعي جاد عقلاني، أما القصور في وعي الذات والمجتمع فيشير إلى تعثر هذه العملية في رفد الفرد بوعيٍ منطقي قادر على إدراك كنه الحياة ومواصلة تراكميات حياته بصورة سليمة مع إتمام مراحل الانتقال التي أوجبتها عملية التنشئة بدقة كبيرة.
وعليه تمكن الإشارة إلى أنه رغم أنّ للتنشئة الاجتماعية دوراً كبيراً في إيجاد الوعي وصقلهِ لدى الفرد، إلا أنه بالمقابل، فللوعي دور أكبر في تقبل هذه المراحل والانتقال بها من طورٍ إلى طورٍ آخر.
فالفرد ذو الوعي الجاد والمنطقي يدرك أهمية بناء الذات ومد جسور الألفة والعلاقات الاجتماعية بينه وبين الآخرين دون الانعزال والسير عكس اتجاهات العادات والقيم الاجتماعية.
وللوعي المأزوم والقاصر أو السلبي أيضاً، دور في عرقلة مسيرة حياة الفرد دون الانتظام في مراحل سير عملية التنشئة الاجتماعية، الأمر الذي يجعل وعي ذلك الفرد مكرَساً لمخالفة منظومة قيم واتجاهات المجتمع الذي يعيش فيه.
ومروراً على ذلك تعدُّ التنشئة الاجتماعية الوحدة الأساسية لنشوء وعي الفرد عبر قنواتها ومؤثراتها المختلفة، وما قد يساهم به الفرد بوعيه في رفع شأن حياته وحياة الآخرين أو طمس معالم ذاته ومجتمعه.
ولعل من ابرز قنوات التنشئة الاجتماعية التي يمكن المرور بها لمعرفة مدى مساهمتها في بناء كيان الفرد ومن ضمنه وعيه ما يأتي:

