كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
ولا يقتصر الأمر على وجود خلل في القيم، وإنما قد تحدث المشكلة الاجتماعية عندما يهدد موقف آخر غير القيم أهل مجتمع ما، بحيث لا يمكن تفاديه أو تصحيحه إلا بالحلول الجذرية الناجعة (19) .
هذه الحلول قد تشكل ما يسمى بأداة الضغط على الأفراد وتفرض نوعاً من الإلزام الذي يتطلب إيجاد الممكنات لحل هذهِ المشكلات في المجتمع (20) .
وأداة الضغط هذه تدفع البشر إما إلى مراجعة أنفسهم – وهؤلاء نسبة قليلة وغير مشجعة للأسف - لمعرفة بذور المشكلة والقضاء عليها، أو إيجاد بعض المعالجات والترقيعات الخاصة بها، في حين أنّ هناك بشر لا يلزمون أنفسهم بحلها، لعدم وعيهم الجاد بآثارها ومخاطرها.
ولا تتوقف المشكلة الاجتماعية عند حد الرفض الذهني أو العقلي، فالمشكلة الاجتماعية تشكل نوعاً من التحفيز لتحريك السلوك المضاد بغرض حلها ، وإذا كانت فاقدة لصفة التحفيز لا يمكن عندها الشعور بها واعتبارها مشكلة آنذاك (21) .
وليس كل إنسانٍ قادراً على إدراك ووعي المشكلة، وإلا لما كانت حياتنا مليئة بالمشكلات، وليس أيضاً كل إنسان قادراً على التخلص من سلبياتها بوعيهِ، فكثير من الناس ما يكون فاقداً لقدرة التمييز على أنّ ذلك الموقف أو الفعل يُعد مشكلة أم لا، وبالتالي لا يتمكن بعد حدوثها من وضع الحلول لها لأنه لم يعِها كمشكلة.
وتمتاز المشكلة الاجتماعية أيضاً بنسبيتها، فما قد يحدث ويُعد مشكلة في مجتمع، قد لا يُعد كذلك في مجتمعاتٍ أخرى (22) .
وحسب رؤية هوسرل فالأشياء تبقى موجودة بذاتها لكنها قد تكون بالنسبة لنا غير موجودة في الوقت نفسه (23) ، أي أننا نعي الأشياء حسب ادراكاتنا لها،لكنها باقية بذاتها ومعطياتها.
واختلاف المجتمعات بتمييزها للمشكلات يعود إلى تشكيلة الوعي في تلك المجتمعات المتأتية من ظروف وبيئة كل مجتمع، التي قد تناقض غيرها من المجتمعات، إذ إن الوعي خاص بالإنسان والإنسان ابن بيئتهِ وقيمه وعاداتهِ وتقاليده، ومن ذلك تختلف الدرجات في تمييز وإدراك المشكلة أو عدّها كذلك بين مجتمعٍ وآخر.
حيث إن عدم عدِّ مجتمع ما ما يشخصه مجتمع آخر على أنه مشكلة، قد لا يعني قصور الوعي عند ذلك المجتمع، وإن ذلك الحدث قد لا يشكل بالفعل مشكلة له، وقد أدركه بوعيه على هذه الشاكلة.
إلا أنّ الأحداث المتفق عليها والتي تمس كل البشر، إذا شخصها مجتمع على أنّها مشكلة وآخر لا يعدّها كذلك، يمكن القول وبشيءٍ لا يقبل الشك: إنّ منظومة الوعي في المجتمع الأخير مأزومة إلى حدِّ عدم تمييز الشيء وعدّه مشكلة أم لا، وذلك يعود إما إلى ظروف بيئتهِ التي تشكّل وعيه على أساسها أو لقصورٍ ذاتي يعود إلى الشخص نفسه أو المجتمع.
وكذا الحال على مستوى أصغر، إذ ما يعدّه الإنسان مشكلة في جانبٍ ما أو مكانٍ ما قد لا يعدّه آخر كذلك، وذلك يتوقف على درجة الوعي الصحيح له وكيفية تمييزه للأشياء الضارة والنافعة منها.
ومن هنا تبرز أهمية الوعي بتشخيص المشكلة، أما القصور بهِ أو ضعفهِ فمعناه التسبب في حدوث المشكلات، وعدم صياغة الأشياء بصورة عقلانية منطقية ينجم عنها حدوث المشكلات، أو السعي الحثيث وبوعيٍ تام سلبي نحو إيجاد المشكلات وصناعتها.
وذلك الترابط بين الوعي والمشكلة يوضح لنا ما مفاده أنّ الضعف في قابلية الوعي على إدراك الإنسان لذاتهِ ولمحيطهِ، كفيل بإنتاج المشكلات الاجتماعية ويضعف بالتالي، القابلية على تلافيها أو إيجاد الحلول الممكنة لها.
إن الوعي منظومة يفترض أن تكون متكاملة، لتتمكن من نقل الإنسان من طورٍ إلى طورٍ آخر أكثر منطقية وعقلانية، ولعل شواهد التاريخ تشير إلى خطى سير الحياة وكيف سار الإنسان وانتقل من مرحلة إلى أخرى وقام ببناء حضاراتهِ وانجازاتهِ، وهو اليوم يُصارع لغرض البقاء مع الطرف الآخر المغيب الوعي والذي يعاني من قصورٍ في هذه المنظومة، التي تجعل منه حاملاً لسلاحٍ فتاكٍ يمكن أن يستخدمه لإبادة البشرية.
ولما كان الوعي بالشيء وما حوله وعياً صحيحاً يقي الإنسان من أزمات الحياة ومشكلاتها، فذلك يعني أن نقيضه وتحت أيّ ظروف معناه نبذ الوعي بإرادة أم بدونها وجعله وعياً مضاداً يقف على الضد من الوعي الجاد والمطلوب لتحقيق استقامة الحياة.
وعليه، فهناك علاقة ترابطية توضّح أنّ أصل المشكلة بحدوثها هو قصور الوعي وتأزمه، وكيفية حلها كفيل بوجود الوعي الجاد القادر على وعي أسبابها وليس إيجاد الحلول الجزئية لها، ولا يشذ عن ذلك نوع واحد من المشكلات وإنما تشترك فيه المشكلات كافة التي جاءت من الإنسان وبسبب الإنسان ويمكن أن تنتهي عن طريقهِ أيضاً.