أنت هنا

قراءة كتاب شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة

شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة

موضوع هذا الكتاب ((شعر الصراع بين الإسلام وخصومه في عصر النبوة))، وهو بحث معنيّ بكشف أحداث ذلك الصراع الذي احتدم بين الإسلام ومناوئيه عندما ظهرت الدعوة إلى الإسلام، وبإلقاء الضوء على الدور الذي شارك فيه الشعر في ذلك الصراع.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

وحين كتب الدكتور محمد محمد حسين عن الهجاء الديني في كتابه ((الهجاء والهجاؤون في الجاهلية)) لم يقصر اهتمامه على فن الهجاء الذي تمثّلَ في شعر الحطيئة وحسان بن ثابت فحسب، وإنما عني بدراسة الشعر ومدى تأثره بالإسلام، فرأى أن الإسلام لم يتمكن من الإجهاز على العصبية القبلية المتأصلة في نفوس العرب أو حتى دحرها فقد استمرت عند الأعراب خاصة، ودلَّلَ على مذهبه هذا بسلوك الوفود مع الرسول وبعصبية حسان اليمنية وشطحاته في الإسلام، وبحركة الردَّة.

وعندما عالج الناحية الفنية لاحظ – أول ما لاحظ – أن شعراء المسلمين ومنهم حسان لم يستطيعوا أن يصوغوا المعاني الإسلامية في أشعارهم إلا بطريقة متكلفة قوامها نقل الآيات ونظمها نظماً فاسداً، ثم وازن بين أسلوب الهجاء في القرآن الكريم، وأسلوب الهجاء عند الشعراء، فوجد أن الأول يقوم على قِيَمٍ أخلاقية واجتماعية جديدة ويلتزم الحجج المنطقية والاستشهاد بالتاريخ في تصوير ضلال المنافقين والمعوقين بينما بقي الثاني يصطنع الأسلوب القديم في نهش الأعراض وقَذْفِ الناس بأحسابهم وأنسابهم.

وهناك دراسات سريعة موجزة تناولت جوانب معينة من الفترة، أو عالجت موضوعات وثيقة الصلة بها، من تلك الدراسات مقالات الأستاذ محمد أحمد خلف الله التي جمعها في كتابه ((دراسات في الأدب الإسلامي))، وقد تحدث في أحد فصوله عن أدب الجهاد في سبيل الله فعرض فيه لآيات الجهاد التي نزلت في سرية عبد الله بن جحش وفي غزوتي بدر وأحد ثم قام يتحليلها مبيناً ما فيها من روعة الفنّ وجمال التعبير وقوة الأداء.

وخصص فصلاً آخر تحدث فيه عن حسان بن ثابت في جاهليته وإسلامه فكشف عن جهوده في سبيل الدين الإسلامي والعمل على نشره.

وعرضَ طه إبراهيم لشعر الفترة في كتابه ((تاريخ النقد الأدبي عند العرب)) فقرر أن الشعر في صدر الإسلام كان ضعيفاً. وحدَّدَ طه الحاجري في كتابه ((في تاريخ النقد والمذاهب الأدبية))وَضْع الشعر في عصر صدر الإسلام وعَيَّن وجهته وخصائصه وظروفه، فلاحظ أن الأحداث الإسلامية قد أثرت عليه، ورأى أن النظام الجديد قد أضعفه، وأرجع سبب ذلك إلى سيطرة روح الجهاد على الحياة الإسلامية التي استغرقت جميع الهمم، واستحوذت على جميع القوى.

وعالج الدكتور نجيب البهبيتي في كتابه ((تاريخ الشعر العربي)) وَضْعَ الشعر في عصر صدر الإسلام بسرعة وإيجاز شديدين، فلاحظ ما اعتراه من ضعف وهزال، وأشار إلى أثر القرآن في ذلك.

وتناول الدكتور ناصر الدين الأسد قضية الشكّ في صحة الشعر الإسلامي في كتابه ((مصادر الشعر الجاهلي)) فعرض – أول ما عرض – لشكوك القدماء كابن سلام وابن هشام وابن النديم في الشعر الذي ورد في السيرة، وسجَّل مآخذهم على ابن إسحاق ثم بحث قضية الوضع والاختلاق في الشعر الجاهلي والإسلامي عند القدماء والمحدثين وأورد الردود التي قامت حولها.

ولدى دراسة الدكتور سيد حنفي لحسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم تناول جانباً من الحياة الإسلامية في عصر النبوة، فأشار إلى صلة المدينة بالإسلام، وإلى صلة حسان بالدين الجديد، ثم عرض لشعر حسان الإسلامي، ورصد دوره في الصراع بين المدينة ومكة.

وقبل أن نختتم الحديث عن الدراسات السابقة للفترة يجدر بنا أن نشير إلى كتاب ((ديوان كعب بن مالك الأنصاري)) للدكتور سامي العاني، فبالرغم من أن هذه الدراسة معنية بدراسة كعب إلا أنها تناولت البيئة المدنية في ظل الإسلام. وحين عرضت لشعر كعب كشفت عن اختلاط شعره بشعر غيره، وبخاصة حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة لأنهما اشتركا معه في أغلب مناسبات شعره ثم وقفت عند الحملات والانتقادات التي تعرض لها الشعر الذي ورد في سيرة ابن إسحاق، فحاولت أن تدفع التهمة عن شعر كعب الذي ورد فيها.

أما بعد، فهذه أهم الدراسات التي قامت ولها صلة بشعر الصراع في عصر النبوة سواء من قريب أم من بعيد. وقد بذلتُ جهدي في أن أوردها موجزة إيجازاً مفهماً، على أن ألاّ يجور على نصيب هذه الدراسات من البحث والدراسة.

أما دراستنا هذه فتضطلع بدراسة شعر الصراع في عصر النبوة، وقد رأت أن ظواهر هذا الشعر جميعها من ضعفٍ وقوةٍ، أو انتحال واختلاط، وأن اتجاهاته ومذاهبه وخصائصه كل ذلك مرتبط بالأحداث الهامة في هذا العصر، فقد شهد العصر ظهور الدين الإسلامي، وشهد قيام الدولة الإسلامية في المدينة وشهد كذلك الصراع الدامي بين الإسلام والكفر. وحملت سنوات الصراع كثيراً من الأحداث التاريخية الكبرى، وانتصر فيها الرسول- صلى الله عليه وسلم- على خصومه ومناوئيه جميعاً، فلابد إذن من أن ننظر إلى شعر العصر من ناحية ارتباطه بالمبدأ الإسلامي الجديد سواء أكان ذلك في خدمته والدعوة له ومهاجمة مناوئيه، أم في معارضته ومعاداته والوقوف في سبيله، فالشعر كله إنما قيل بسبب هذا الدين السماوي الجديد.

أما الأحداث السياسية التي شهدتها الجزيرة العربية في عصر النبوة، فإن الشعر قد واكبها، ورصد أخبارها، فقد كانت الغزوات والسرايا هي البيئة الصالحة التي نما فيها، ووُلدت فيها موضوعاته وفنونه، كما كانت الغذاء الدسم الذي أَمَدَّه بالحيوية والقوة، فالأحداث التاريخية – ولا شك – أثَّرت في الشعر والشعراء قوة وضعفاً وازدهاراً وخمولاً وشكّاً وضياعاً واختلاطاً، ومن هنا فلا يمكن أن ندرس هذا الشعر بمنأى عن الأحداث.

أما بيئات هذا الصراع فهي المدينة ومكة والطائف والقرى اليهودية وسائر الجزيرة العربية، وأما أطرافه، فالمسلمون – مهاجرين وأنصاراً – في المدينة من جهة، وقريش واليهود وسائر العرب من جهة أخرى. وعلى هذا فإن شعر الصراع قد سار في اتجاهات عدة، ومثَّل بيئات مختلفة. وعلى هذا، فلابد من ملاحقته واستقصائه لرصد اتجاهاته وميوله وأهدافه وغاياته، والوقوف على خصائصه وقيمه وطوابعه، والنظر في مدى قدرته على نقل الواقع الذي وُجد فيه، ومدى نجاحه في أداء دوره والاضطلاع بمهمته، وتصوير الأحداث التي واكبها.

فدراسة شعر الصراع إذن مرتبطة بالدين الإسلامي ،كما هي مرتبطة بالأحداث التاريخية التي نتجت عن هذا الدين فغيَّرَت، وجه الحياة العربية وطرق التفكير فيها.

ولكن هذا الشعر كان – ولا يزال – يعيش حياة الشك والاختلاط والضعف والضياع. وعلى هذا، فإن منهجنا في تناوله يقوم على النظر لملاحظات العلماء السابقين الأثبات، وأخذ تنبيهاتهم بعين الاعتبار، ومناقشة هذه الملاحظات والتنبيهات قبل إثبات النتائج، فلا يمكن أن نطمئن بحال إلى شعر نبَّه على زيفه الأقدمون الثقات، وحام الشك من حوله.

أما الرواة المتهمون فنقبل رواياتهم بعد تعقبها وتمحيصها والتحقق من إسنادها – إن وجد – أو موافقتها لرواية راوية ثقة. ونقوم بعرض الشعر على الأحداث الإسلامية، والأحداث التاريخية ،فإن وافقها قبلناه وبنينا عليه النتائج والأحكام وإلا رفضناه، كما نعمد إلى موازنة هذا الشعر بما صحَّ من شعر كل شاعر، وبما يتوفر بين أيدينا من دواوين، فإن لم يوافقه، أعرضنا عنه وتركناه. وسوف نحاول عرض الشعر الذي اختلطت نسبته على المصادر التي عُنيت برواية شعر الصراع ،ثم نقوم بالتحقق من قائل النص الحقيقي، وأصالة هذا النص لفترة الصراع ،فما صحَّت لنا نسبته أو ثبتت لدينا أصالته قبلناه.

ونعلن بعد هذا كله ،أن ما نتوصل إليه من نتائج وأحكام ليست يقينية أو قاطعة، لأن اليقين والقطع لا يتوفران في مثل هذه الدراسات، وفي مثل هذه الفترة الدقيقة من التاريخ التي نتناولها بالبحث والدراسة، وبخاصة بعد أن رأينا أن الشك والضياع ظاهرتان ملازمتان للشعر في هذه الفترة، وإنما تبقى أحكامنا – في نظرنا – صحيحة حتى يطرأ من الأبحاث العلمية ما يثبت تقصيرها أو زيفها.

وقبل أن نتناول هذا الشعر بالدراسة نقف عند الإسلام لنستطلع رأيه في الشعر والشعراء ثم نمضي بعد ذلك على طريق البحث لنستكمل ملامح الصورة الأدبية لهذه الفترة.

الصفحات