أنت هنا

قراءة كتاب حمى الاستهلاك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حمى الاستهلاك

حمى الاستهلاك

كتاب " حمى الاستهلاك " ، تأليف سحر سهيل المهايني العظم ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر  عام 2013 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر:
الصفحة رقم: 1

ساعة «سحر» ...

تقديم د. أحمد خيري العمري

كثيراً ما يقال، عن حق، إن الترجمة هي: «إعادة كتابة» - وغالباً ما يقصد بذلك صعوبات فنية تتعلق بكيفية نقل روح الكتاب ومضمونه الداخلي أكثر من مجرد نقل حرفي للكلمات..

لكن الترجمة أيضاً، قد تكون أفقاً أوسع من مجرد نقل لروح الكتاب. وهو أفق يتمثل بالحوار مع أفكار الكاتب والنقاش معه بشكل يثري الموضوع، وأهم من ذلك، يثير النقاش والحوار عند القارئ نفسه..

.. لا أتحدث هنا عن تدخل مباشر في النص موضوعِ الترجمة، لكني أقصد وسيلة أخرى، عبر هوامش أو فصول مستقلة، يتم فيها نقاش الفكرة من «الضفة الأخرى..»، لكي تكتمل أو تقترب على الأقل من تغطية أكبر طيف ممكن من أطياف الحقيقة..

هل في هذا وصاية على القارئ؟ الحقيقة أن الوصاية على القارئ تكمن في أن نمنع عنه الترجمات خوفاً من أن يتسمم بأفكار «من الخارج».. فذلك سيجرده من «المناعة» ويجعله عرضة أكثر للإصابة بأي فيروس عابر..

أمّا مناقشة الفكر، والتحاور معه، فتجعل القارئ نفسه يفكر، ويقرر ويختار.. بلا وصاية مسبقة؛ لا من الكاتب ولا من المترجم..

ولعلي أشير هنا، إلى أن ترجمة العرب لكتب فلاسفة الإغريق كانت تحمل نفساً إسلامياً يصعب تمييزه عن النص الأصلي، وأنا لا أدعو لتكرار ذلك - ولكن أدعو إلى تفعيل فكرة «الترجمة المتفاعلة» مع النص.. والتي ستؤدي إلى تفاعل أكثر من القارئ (حتى لو انحاز القارئ في نهاية الأمر إلى وجهة نظر الكاتب الأصلي، فذلك على الأقل - إذا تمَّ - فإنما يتم باختياره).

لست واثقاً أن ذلك كله كان في ذهن السيدة الفاضلة سحر مهايني عندما بدأت بترجمة كتاب «الأفلونزا».. لكن النتيجة النهائية التي بين أيدينا كانت أكثر من مجرد كتاب مترجم ينضم إلى رفّ الكتب المترجمة، بل لدينا الآن كتاب ينقل تفاعل المترجمة مع الكتاب وحواراتها شبه المباشرة مع الكاتب ومع أفكاره..

الشيء المهم في تفاعل السيدة مهايني (الذي حوَّلها من مترجمة إلى مؤلفة ند) هو أن تفاعلها هذا لم ينطلق من التفاعل النظري الصالوني؛ بل من منطلق عملها في المجالين الاجتماعي والتربوي، فالسيدة مهايني هنا - تركت تشاوف و «برج عاجية» بعض المنخرطات في العمل الخيري الاجتماعي من اللواتي يعتبرن هذا العمل مظهراً مكملاً من مظاهر الوجاهة الطبقية، وذهبت بعيداً نحو الهم الاجتماعي الحقيقي، والأهم أنها ذهبت نحو البحث عن علاج لهذا الهم..

تستعرض السيدة مهايني عبر تفاعلها مع الكتاب، خلاصة خبرتها في هذا المجال، وترسم خطوطاً واضحة لخطوات عملية، تعتبر، بخبرتها، ومن واقع تجربتها، أنها يمكن أن تكون خطوات نحو الخروج من واقع اجتماعي متأزم..

والكتاب - الأصل - يبحث في أعراض مرض فرط الاستهلاك الذي صار واحداً من مميزات الثقافة الأمريكية التي تكتسح العالم، وتكتسحنا أيضاً معها، ولكي أكون صريحاً، فإن الكتاب - الأصل - ليس أفضل ما يمكن قراءته عن هذه المسألة من الناحية العلمية والأكاديمية، لكنه بلا شك يعرض أعراض المرض بالطريقة الأمريكية إياها: كثير من الإمتاع وغير قليل من التسطيح.. وهذا الأمر تجاوزته السيدة مهايني عبر تعميقها للنقاش من زاوية التطبيق الاجتماعي، وعبر استمرارها في مقارنة دؤوبة بين وضعنا مستهلكين سلبيين، ووضعهم مستهلكين يستهلكون ما ينتجون، وخصوصاً عبر ربط ذلك كله مع تعليمات الشريعة الغراء، بعيداً عن الوعظ والنصح الفوقي التقليدي.

.. ولا أشك، ولو للحظة واحدة، أن المتثاقفين - وما أكثرهم في حياتنا الثقافية - لن يلتفتوا لكتاب السيدة مهايني، فهي تكتب بلغة سلسة بسيطة، خالية من التعقيد، الأمر الذي يعتبرونه منقصة لها ولكتابها. وكتابها، أيضاً، خال من المصطلحات الغامضة التي هي بالنسبة إليهم ضرورية لأي كتابة جادة.. حتى لو لم يفهمها القارئ - وحتى لو لم يكن الكاتب نفسه يفهمها - وكتابها أيضاً قد يكون مفهوماً من قبل «القارئ العادي» - وهذا، يا للهول - يعد عاراً وعيباً، فهم يكتبون فقط لقارئ نخبوي افتراضي، في خيالهم، وإذا حدث وفهم الكتابَ أحدهم - ممن لا ينتمي لطبقتهم «البرج عاجية»، فالكتاب إذن لا يدخل جنة قبولهم..

.. ولا أظن هذا كله سيهم السيدة مهايني في شيء، فكتابها ليس موجهاً لهم، بل للناس الذين يشكل تغييرهم همها الأكبر..

.. ومع أسلوبها السلس الجزل الممتع، أظنها ستنجح في الوصول إليهم..

فقط لو أنهم «قرؤوا»!..

لكن هذا موضوع آخر..

الصفحات