أنت هنا

قراءة كتاب تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة

كتاب " تردى الفكر الإسلامى المعاصر بين الأصولية المستبدة والعلمانية المستفزة " ، تأليف د. احمد طه ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

ثالثا: إهدار دور العقل أو العلم فى الحياة

من أهم المبادئ التى يقوم عليها الخطاب الأصولى أن الخطاب الدينى الذى يحتكره العلماء، وليس العقيدة، هو الذى يجب الرجوع إليه فى تفسير كافة الظواهر الاجتماعية بل والطبيعية أيضا دون أى اعتبار للقوانين الطبيعية أو الاجتماعية، وهو ما يعنى نفى أى أثر أو دور للعقل، ومصادرة أى معرفة ليس لها أصل فى سلطة العلماء أو خطابهم الدينى فى هذا المجال، وهو فى هذا يستند لذات موقف طائفة الأشعرية القديم، الذى يؤمن إيمانا مطلقا بالجبرية الشاملة بما فيها السياسية والاجتماعية، وفى المقابل إنكار أى مجال لإعمال قوانين السببية حتى فى تفسير الظواهر الطبيعية.

وبصرف النظر عن التعرض لمسألة الجبر والاختيار – والتى لا يتسع لها البحث - فإن التسليم بوجهة النظر هذه تؤدى حتما لطمس عقل الإنسان المسلم ومن ثم سيادة التواكل بين المسلمين وعدم الجرأة على التعرض للبحث العلمى لظواهر الكون، ومن ثم افتقار العالم الإسلامى لأى معرفة علمية بالطبيعة والعالم على الرغم من الأهمية البالغة لتلك المعرفة، والتى تعد الأساس الذى قامت عليه الثورة الصناعية والنهضة الغربية المعاصرة، وهو ما يؤدى وأدى بالفعل إلى حالة التخلف والتراجع الشديد التى يعيشها عالمنا الإسلامى حاليا، على الرغم من أن الإسلام هو دين العلم والعقل الذى يدعو للقراءة والتأمل والتفكر منذ أول آية فى القرآن الكريم، وعلى الرغم من أن الخطاب الأصولى يتعمد فى كل مناسبة التأكيد على هذه الحقيقة، وأنه لا يعادى العلم أو المعرفة، وهو ما يوقع هذا الخطاب فى تناقضات تؤدى للتشويش على العقل المسلم.

وتجدر الإشارة هنا – حتى لا يساء الظن بنوايا الباحث - إلى أننا نؤمن بأن الله عز وجل هو خالق كل شىء وأنه إليه يرجع كل أمر، إلا أن ذلك لا يمنع من وجوب الأخذ بالأسباب، ومن أهمها توظيف العلم واحترام الإنتاج العقلى فى تفسيرهما للظواهر الطبيعية والاجتماعية والإنسانية المختلفة. إن الإيمان بالآية الكريمة (وفى السماء رزقكم وما توعدون) مثلاً يعنى أن الله هو الرزاق وأنه سبحانه هو الذى يمنح هذا ويمنع عن ذاك، إلا أن ذلك لا يعنى أن يعتقد المسلم أن الله قد تكفل برزقه سواء سعى أو عمل من أجل هذا الرزق أم لا، لأن معنى ذلك أن تلك الآية تمثل دعوة للكسل واللامبالاة – وإنما عليه أن يؤمن بأن إرادة الله ومشيئته لا تنفى وجود عوامل أخرى لجلب الرزق كالعمل والسعى للحصول عليه باعتبارها أسبابا يجب الأخذ بها طبقاً لقانون السببية، ودون أن ينفى ذلك أن الله هو الفاعل من وراء كل الأسباب.

وسوف نعود إلى ذلك بالتفصيل فى الفصل الثالث من هذا البحث.

ولكن ما يعنينا فى هذا الموضع الإشارة إلى أن الخطاب الدينى الأصولى يتعمد الهجوم على معظم اجتهادات وإبداعات العقل الإنسانى فى تفسيره لظواهر الكون، لا لشىء سوى كونها نتاج العقل الغربى الكافر أو العلمانى أو المناهض للدين أو الملحد أو الماركسى أو... إلخ.

فهذا الشيخ سيد قطب يقرر أن الفلسفة الوضعية جاءت لتتخذ من المادة إلها – لأنها التى تنشئ العقل وتطبع فى حس الإنسان ما تراه، وبذلك تضاءل دور العقل ومعه الإنسان وأصبح هذا الإنسان من عبيد هذا الإله، أما داروين فقد جاء ليعلن حيوانية الإنسان، وبعد ذلك كانت الضربة القاضية على يد فرويد من جانب، وماركس من جانب آخر، الأول يرد دوافع الإنسان للميول الجنسية ويصفه بالغرق فى الجنس، أما الثانى فيرد تطورات أو ظواهر التاريخ كافة للاقتصاد، ويصور الإنسان بوصفه مخلوقا ضعيفا وهشا من عبيد إله الاقتصاد(10).

هذا على الرغم من أن المتأمل فى التاريخ الاسلامى – كما سبق أن أشرنا – يجد أن المسلمين الأوائل كانوا يفرقون بين المجالات التى تعمل فيها النصوص وتلك التى يرجع الأمر فيها للعقل ورأى العلماء أو أهل الخبرة، واستمر هذا التصور قائما ومعمولا به حتى أثناء تفاقم الخلافات بين الأمويين والخوارج, بل يمكن القول إن فترات الازدهار والثراء والقوة التى مرت بالعالم الإسلامى هى ذاتها الفترات التى تم إعلاء قيمة العقل وتقدير منزلة العلماء خلالها، وأخيرا يمكن القول بأن دعوة الإسلام كانت فى جوهرها دعوة لإعمال العقل فى نطاق الفكر وإعمال العدل فى مجال السلوك الاجتماعى، ليحلا محل الجهل والظلم اللذين كانا سائدين فى مجتمع الجاهلية الذى نزل الوحى فيه، ولقد أكد الخطاب الديني دوما في تاريخ الثقافة الإسلامية، منذ فترة نزول الوحي، على نفى أى تعارض فيما بين العقل والوحى، وأن النقل إنما يثبت من خلال العقل، فالعقل هو الأساس فى تقبل الوحى وتفسيره لإعماله فى الواقع.

الصفحات