كتاب " مقدمة في اقتصاديات البيئة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مقدمة في اقتصاديات البيئة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المبحث الثاني : أدوات الاقتصاد البيئي
أن مساندة الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة تستدعي التعرف على مجموعة من الأدوات عميقة المغزى في الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتتمثل هذه الأدوات بالآتي:
1) المؤثرات الخارجية (Externalities):
يقصد بالمؤثرات الخارجية تأثير يولده سلوك عامل اقتصادي على رفاهية الآخرين ولايكون لذلك التأثير ثمن نقدي أو تعاملات بالسوق، أو هو عبارة عن الآثار الناجمة من نشاط على نشاط أخر دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الآثار في الحسابات الاقتصادية(18).
وتظهر المؤثرات الخارجية بأشكال شتى، بعضها إيجابي (الوفورات الخارجية)، في حين أن بعضها سلبي (الهدر الخارجي). وهكذا، فحين أسكب برميلاً من مادة حامضية في نهر ماء، فسوف يقتل ذلك الأسماك والنباتات، وحيث أنني لا أدفع لأي شخص مقابل هذا الضرر، فقد حدث هدر اقتصادي، وحين تكتشف طريقة أفضل لتنظيف بقعة نفطية، فإن نفع ذلك سيمتد إلى الآخرين دون أن يدفعوا لك شيئا مقابل ذلك، وهذا يشكل وفراً خارجياً.
وتأسيساً على ماسبق فإن المؤثرات الخارجية تقع عندما لا تتساوى الكلفة أو المنفعة الخاصة مع الكلفة أو المنفعة الاجتماعية، إن تصريف الملوثات في مجرى مائي مثلا يرفع عن كاهل المنشأة التي تخرج عنها الملوثات عبء معالجتها أو منعها، في حين يتحمل المجتمع عبء معالجة هذا التلف البيئي. ومن ثم، فإن حسابات المنشأة التي تظهر ربحاً صافياً لا تمثل حقيقة التكاليف الإجمالية لنشاط هذه المؤسسة لأنها تركت لغيرها، خارج نطاق عملها أن يتحمل هذه التكاليف. ومن ثم جاءت أفكار فرض ضرائب على التصريفات أو المناداة بمبدأ أن الملوث يدفع الثمن (Polluter Pays Principle) والرأي المفضل الآن عند المختصين باقتصاديات البيئة هو إدخال هذه التكاليف الإضافية في حسابات المنشأة بحيث تعكس أسعار منتجاتها تكاليف الهدر البيئي المترتب على إنتاجها وتسويقها، أو كلفة تعديل الفن التكنولوجي فيها لوقف هذا الهدر أو الإقلال منه بقدر الإمكان، بدلا من إنتاج الملوثات ثم العمل على معالجتها وفقا لما أشرنا إليه آنفاً(19).
نحن ندرك اليوم مسألتين هامتين أولهما، أن دحرجة المشكلات البيئية من مكان إلى آخر، أو من زمان إلى زمان، تؤدي إلى زيادات كبيرة في الآثار السلبية لهذه المشكلات، وفي تكلفة علاجها. والمسألة الثانية هي أنه بغض النظر عن توزيع عبء تحمل آثار التلوث، فإن المواطن هو الذي يدفع الثمن في المحصلة النهائية، سواء في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، أم في حماية نفسه من الآثار السلبية.
2) الريع الاقتصادي ((Economic Rent:
يعد هذا المفهوم أحد أهم أدوات الاقتصاد البيئي، وبالرغم من أنه يرجع إلى القرن التاسع عشر، غير أن معناه السائد اليوم يرجع إلى ما نلاحظه من أنه عندما يكون أحد عناصر الإنتاج ذا عرض غير مرن - مثل قطعة الأرض أو مورد طبيعي غير متجدد - فإن كلفته لا تحدد استخدامه.
ولقد بات بارزاً للعيان اليوم بأن هذا المفهوم ينطبق على الماء والهواء اللذين لم نعتد في حساباتنا الاقتصادية أن نحدد لهما ثمناً، وواضح أنه يرتبط بالأوضاع التي تكون فيها الموارد غير مرنة أو شحيحة، وخصوصا في الأمد القصير، كما يحدث عند احتكار سلعة أو مورد معينين. ثم إن هذا الريع لا يرجع برمته إلى صاحب المورد أو السلعة، وإنما يذهب جزء منه إلى مستخدم المورد أو مستأجره أو من يشترون السلع الناشئة عن استغلاله في إنتاجها. أي أن سعر هذه المنتجات لا يعكس حصتها من الريع الاقتصادي للمورد منسوباً إلى ما استخدم في إنتاجها.
3) حسابات الدخل القومي (National Income Accounts):
تعد حسابات الدخل القومي أحد أهم أدوات التحليل الاقتصادي، وهي من أهم الحسابات الاقتصادية القومية لأنها تظهر بقيم مالية إنتاجية الاقتصاد الوطني للفترة المدروسة، وتعني حسابات الدخل القومي القيمة النقدية لكل السلع والخدمات التي تنتج خلال فترة زمنية معينة، آخذة بالاعتبار عوامل مثل التضخم النقدي أو استهلاك الأصول الرأسمالية(20).
وغني عن البيان فإن هذا لا يأخذ بعين الاعتبار النقص الصافي في الموارد الطبيعية والذي يساوي ما استخدم منها لإنتاج السلع والخدمات، وكذلك الهدر البيئي الناجم عن التلوث الذي واكب عمليات الإنتاج والاستهلاك. وواضح أن هذا خلل جوهري في التقدير، المسألة التي دفعت بمنظمة الأمم المتحدة لإعادة النظر في نظامها السائد للحسابات القومية، وإعداد حسابات قومية مرادفة للحسابات المألوفة تأخذ هذه المسألة بالحسبان، لكي تتوفر لصانعي القرار صورة أكثر دقة للآثار الكاملة للسياسات القومية. فمن الممكن لدولة مصدرة للنفط أو لأحد الخامات المعدنية أو المحاصيل الزراعية أن تستمر في استهلاك رصيدها من النفط أو الخام أو التربة الزراعية دون أن تعكس حساباتها القومية هذه الخسائر المتراكمة وحتى تنفد بصورة كلية.
4) معدلات الخصم (Discount Rates):
تعكس معدلات الخصم الخيار الشائع للإنفاق اليوم بدلاً من الانتظار للغد. وهي أداة مألوفة في حسابات تقييم جدوى المشروعات وترتبط عادة بأسعار الفائدة الحقيقية التي تتقاضاها البنوك في معاملاتها المالية. غير أن هناك جدلاً مستمراً حول سعر الفائدة المناسب لأغراض التخطيط القومي، فالأسعار المرتفعة لا تشجع على الاستثمار في المشاريع التي لايتحقق عائدها إلا بعد فترة زمنية طويلة، حتى ولو كانت حميدة بيئياً ومفيدة للأجيال القادمة. وهناك حسبة مشهورة قام بها اقتصادي أمريكي تبين هذه المسألة بصورة واضحة، فالقيمة الحاضرة لخسارة بيئية تقدر بمليون دولار وعندما تقع بعد مائة عام لا تتجاوز 75 دولار بسعر خصم 10%، أما إذا ارتفع سعر الخصم إلى 18%، فإن قيمتها اليوم لاتتخطى ستة سنتات(21).
وخلاصة القول فإن الاقتصاد البيئي مازال مجاله بكراً بدأ الاهتمام به حديثاً ومازال أمامه العديد من المشكلات المنهجية قبل أن يوفر لنا أدوات يمكن تطبيقها بصورة فعالة في التخطيط للتنمية المستدامة، ومن الإنصاف أيضا التنبه إلى أن الكثير من المعطيات الأساسية عن خصائص البيئة وردود فعلها للأنشطة التنموية المختلفة مازال غير متاح أو غير موثوق به بالقدر الكافي لتوفير قاعدة المعلومات الضرورية لاستخدام الأدوات الاقتصادية الجديدة لتحقيق التنمية المستدامة.