أنت هنا

قراءة كتاب مقدمة في اقتصاديات البيئة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مقدمة في اقتصاديات البيئة

مقدمة في اقتصاديات البيئة

كتاب " مقدمة في اقتصاديات البيئة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 10

المبحث الرابع : القيمة الاقتصادية للطبيعة

إذا كان علينا أن نختار استراتيجيات اقتصادية للبيئة الطبيعية، يجب أن نبدأ بالتعرف على القيمة الاقتصادية الموجودة هناك بالفعل. ويتمثل الاعتراف الأول في أنه في النهاية، ليس هناك رأس مال إلا ما تملكه الطبيعة، فرأس المال الشمسي - أي الطاقة المستمدة من الشمس بجميع أشكالها - ورأس المال الأرضي، من الأحياء وغير الأحياء تزودنا بجميع ما نحتاج إليه. هذه هي أنظمة دعم الحياة التي نعتمد عليها، فليس لدينا مصدر آخر للثروة أو مدخل إلى الحياة.

ما حجم هذا الوقف (خدمات الطبيعة) ؟ كم تبلغ قيمته بالنسبة لنا ؟ قدرت قيمة خدمات الطبيعة بصورة مختلفة أقلها اعتباراً أنها تساوي 16 تريليون دولاراً، وأعلاها تساوي قيمة الناتج القومي الإجمالي العالمي تقريباً أي نحو 18 تريليون دولاراً عام 1997م، وباحتساب مجموعة أكثر اكتمالاً من الخدمات وصلت القيمة إلى 54 تريليون دولاراً(25).

وفي عام 1997م قدرها أحد رواد اقتصاديات الطبيعة روبرت كوستانزا في المتوسط بقيمة 33 تريليون دولاراً إجمالاً، وذلك التقدير مقبول عموما، لكن لا يمكننا أن نكون واثقين تماما. وكما أشارت إليه جانيت إبراموفيتز، فالطبيعة ببساطة لها قيم مختلفة بالنسبة إلى الناس الذين يعيشون في أزمنة وأمكنة مختلفة، وكما هو الحال مع أي تقييم سوقي فسوف تنتج الاستطلاعات المختلفة قيما مختلفة لنفس السلع(26).

ولا تساعد تلك الجهود حقيقة أن حساباتنا الاقتصادية ليست فقط غير معدلة للتعبير عن قيمة أنظمة الطبيعة، بل إنها مضبوطة على نحو منحرف لاحتساب التدمير كمكسب والمحافظة كخسارة. وعلى سبيل المثال، فالغابة السليمة والقائمة، تدخل الحساب الاقتصادي في الوقت الحاضر كمجرد أصول غير محققة، حتى وهي تؤدي خدمات واسعة للحياة والاقتصاد البشريين. وعلى رغم كونها كاملة وغير مستغلة عادة فيما يرتبط بالقيمة الاقتصادية، فهي توفر الوطن للحشرات الملقحة والطيور والحيوانات، وبحماية التنوع الحيوي تعمل كمستودع للمواد الصيدلانية المنقذة للحياة المحتملة، فجذورها تتحكم في الفيضانات، وتصد الرياح، وتحفظ التربة من التآكل، وبذلك تبقي خصوبة التربة وتحافظ على الجداول المحتوية على الأسماك من التغرين (Silting). وهي تحافظ في نفس الوقت على إنتاجية التربة، والجدول والشبكة الواسعة للحياة في نظام بيئي سليم (اسأل فيلق المهندسين العسكريين عن تكلفة استعادة ذلك، بعد ذهاب الغابات – إذا كان بالإمكان عمل ذلك أصلاً)، فأوراقها تمتص وترشح الملوثات من المناطق الصناعية القريبة، ومن خلال نشاط التركيب الضوئي لنباتاتها تقوم ببث الاوكسجين حتى نتنفسه وتمتص الكربون، ومن ثم تمنع المزيد من احترار الكرة الأرضية.

إن مقدار ما نرغب في دفعه مقابل كل هذا – أو على الأقل، على سبيل المثال، مقابل الأوكسجين وحده، إذا لم نستطع الحصول عليه من الغابة ؟ سيرتفع المبلغ إلى مليارات بسرعة كبيرة، لكن كيف تبدو الغابة على كشف الحساب ؟ مثل العبء الضريبي، عندما نشرع في تدميرها بتقليل القيمة الصافية الحقيقية لخدمات الغابة المقدمة لنا، لا يظهر الدمار على الجانب السلبي وعلى العكس فجأة يبدو كل شيء إيجابياً من الناحية الاقتصادية. رواتب قاطعي الخشب، وأرباح الشركات التي وردت المناشير والجرافات وأرباح شركة الخشب التي تبيع كتل الأخشاب لبناء المساكن، وصنع الاثاث، ولب الورق، أو لمجرد التخزين في قيعان البحيرات اليابانية وأرباح صناعة البناء، ومتاجر بيع الأثاث بالتجزئة، وشركات صناعة الورق، جميعها محسوبة في الناتج المحلي الإجمالي، لكن الغابة ليست كذلك. وبالإضافة إلى ذلك عندما تتسبب شركة صناعة الورق بقتل جميع الأسماك في النهر بنفاياتها، فلا تخلع أي قيمة على الإطلاق على الأسماك التي لم يتم اصطيادها ولا على النظام البيئي الذي يدعمها. لكن عندما تفرض الحكومة أمراً بالتطهير، فكل الأجور والآلات التي تشارك في عملية التنظيف تمثل جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك نفقات مواقع دفن النفايات لخردة الأثاث غير المعاد تصنيعها ونفقات نقل تلك الجبال من الورق الذي نستهلكه.

ومع ذلك فتلك الجهود لا تؤدي إلى أي منتج مفيد على الإطلاق، باستثناء استعادة جزئية لما كان موجوداً من قبل، والذي كانت قيمته الاقتصادية، كما نتذكر تحسب على أنها صفر. وباعتبار أن القيمة كانت صفراً، فتكلفة الاستنزاف - أي خسارة خدمات الغابة تحسب بدورها على أنها صفرية. ومثال جانيت ابراموفيتز المفضل "لايطرح الضرر الناجم عن بقعة زيت هائلة من الناتج المحلي الإجمالي للأمة، لكن المبالغ التي تصرف على تطهيرها وعلى تأثيراتها الصحية تعد إضافات إلى الاقتصاد الوطني"(27).

إن محاولة تفسير رأس المال الطبيعي، واحتساب قيمة خدمات الطبيعة مستندة على الاعتراف بأن الموئل السليم حول العالم (الغابات، والأراضي الرطبة الساحلية، والبراري) أكثر قيمة لنا في كثير من الأحيان من المنتجات (مثل الخشب) أو الاستخدامات الإنتاجية (الحقول ومزارع الأسماك) التي يمكن تحويلها إليها. بوسع الموئل البري، شأنه شأن الغابة أن يدفع فواتيره الخاصة.

الصفحات